"لا تستهين بالنقطة"ـ شعار خملة أردنية.(أرشيف)
"لا تستهين بالنقطة"ـ شعار خملة أردنية.(أرشيف)
الأحد 4 أغسطس 2019 / 19:44

لا تستهن بالنقطة ولا بغيرها

ألم تنتبه للخطأ النحوي في كلمة "تستهين" وأنت تطالب بعدم الاستهانة بالنقطة

أعجبتني حملة ترويجية أطلقتها وزارة المياه الأردنية تحت شعار "لا تستهين بالنقطة". وراق لي التفاعل الكبير من المجتمع الأردني بهذه الحملة، مؤسسات وشركات وأفراد. الخطة الإعلامية بنيت بشكل جيد ومشوق. ولذا فقد نجحت أن تكون حديث مجتمع وأمة.

وصل صدى هذه الحملة إلى الإمارات وعدة دول عربية، ليس من باب المحافظة على الماء، ولكن من باب طرافة الفكرة "الكتابة بدون نقط". فالجاذب للاهتمام لم يكن الماء، ولكنها اللغة الجاذبة.

إنها ليست المرة الأولى التي تحضر اللغة الجاذبة في عالم الإعلان، لكنها للأسف دائماً ما تواجه بفكر متشدد يقيد اللغة العربية وهو يدعي أنه يحافظ عليها، وقد مر علي مواقف كثيرة، أذكر منها أن محلاً متخصصاً في البصريات وعمليات العين نشر إعلاناً ترويجياً عن خدماته مستثمراً العلاقة بين العين العضو البصري وهذا مجال عمل الشركة، وبين العين حرفاً من حروف اللغة العربية. كان الإبداع والإبهار حاضراً في فكرة الإعلان وتنفيذه، فلم أجد بدًا من الإشادة به تعليقاً على المنشور. فجاءني الرد الصاعق "لماذا تشيد بهذا البهرج السخيف واستعراض عورات النساء، اللغة العربية أشرف وأقدس".

كما أنه منذ أيام قليلة راسلت شاعراً شهيراً  نشر قصيدة عن اللغة العربية في حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، لاستئذانه في العمل على تلحينها وغنائها، فوافق مشكوراً مشترطاً "التدقيق والضبط الصحيح للكلمات أثناء التسجيل". ولأن المراسلة كانت مكشوفة في حساب تويتر، فقد حشر أحدهم أنفه معقبا على الشاعر: "حسبتك ستشترط خلوها من المعازف والمحرمات".

كنت أنزعج من هذه الأفكار التي تمنع اللغة العربية من النمو في المجتمع، ومد أغصانها وفروعها إلى الضوء بدلاً من أن تعيش في ظلمة البوتقات الكئيبة، ولذا حين رأيت حملة "لا تستهين بالنقطة" أردت أن أشارك، لكن ماء في فمي منعني من الكلام خشية أن أتهم بما كنت أنتقد به غيري.

ثم بدا لي أن أعلنها لمن وضع شعار هذه الحملة ووسمها وسماً طارت به التغريدات. ألم تنتبه للخطأ النحوي في كلمة "تستهين" وأنت تطالب بعدم الاستهانة بالنقطة. ألا تستحق لا الناهية أن تمارس عملها في الجزم لتكون العبارة الصحيحة "لا تستهن بالنقطة".

الاستهانة بقواعد اللغة مرفوضة، حتى لو كانت همزة ألف أو نقطة باء. هذه ألف باء السياسة اللغوية والتخطيط اللغوي.