قاعة البرلمان اللبناني (أرشيف)
قاعة البرلمان اللبناني (أرشيف)
الإثنين 5 أغسطس 2019 / 21:43

حظيرة الأقوياء

مقتل مرافقين لوزير ليس حدثاً عادياً وخاصة، أن الحدث هو حصيلة نزاع بين زعيمين لذات الطائفة، خاصة لأن النزاع يدور بين الدولة وبين الجمهور

في ما كانت الوزارة التي نالت الثقة في عز نقاشها للأزمة المالية والموازنة، دخلت البلاد في أزمة أخرى، ليس واضحاً ما وراءها وما بعدها. أزمة قبرشمون التي انتهت بقتل مرافقين للوزير صالح الغريب. مقتل مرافقين لوزير ليس حدثاً عادياً وخاصة، أن الحدث هو حصيلة نزاع بين زعيمين لذات الطائفة، خاصة لأن النزاع يدور بين الدولة وبين الجمهور. زعيم دعا إلى إحالة القضية الى المجلس العدلي انطلاقاً من أن القتيلين هما في خدمة الدولة، وزعيم آخر استبعد تماماً إحالة القضية على المجلس العدلي والحقيقة أننا لا نفهم الموقفين. فالزعيم الأول يرى أن جماعة الزعيم الثاني وهم في خدمة الدولة قد واجهوا تمرداً شعبياً وانقلاباً على الدولة، ما ينبغي معه أن تدّعي الدولة عليه وأن تواجههم في المحكمة. أما جماعة الزعيم الأول "جنبلاط " فيقولون إن الدولة هي المعتدية وهي المبادرة إلى التجني المسلح على الجمهور الشعبي. مسألة غامضة كما نرى فمن الذي بدأ ومن الذي باشر الاعتداء؟ ومن الذي اطلق النار أولاً؟ جماعة جنبلاط، وهو الزعيم الأول يقررون أن الدولة هي التي بادرت إلى الاعتداء وأنها الجانية، رغم ذلك يرفض جنبلاط وجماعته أن تحال القضية على المجلس العدلي أي محاكمة الشعب أمام الدولة.

في هذه الأثناء ينفتح المجلس النيابي على مناقشة الموازنة، والموازنة في أزمة مالية معلنة تعني السياسة المالية للوزارة الجديدة، والسياسة المالية اليوم ذات عنوان هو التقشف ووقف الهدر. ذلك بعد عشرات السنين من الهدر والاستدانة والإنفاق الفالت، عشرات السنين أو قل عقد من السنين على الأقل لم تنته الى شيء مجدٍ. ففي هذه السنين تم توظيف عشرات الألوف، القسم الأكبر منهم غير واضح الوظيفة، فهو لا يقوم بأي عمل. عشرات الألوف تم توظيفها كخدمات مجانية ومكرمات غير محددة. وبالطبع فإن مئات الألوف يتقاضون هكذا معاشات سخية لقاء لا شيء ولقاء عمل لا تدرك جدواه ولا تعرف نتيجته.

الغريب أن التقشف الذي يقتضي أولاً ضغط المعاشات وتخفيضها، وصل الى تخفيض ضئيل تقريباً لمعاشات بالغة السخاء، الأمر الذي حفز أصحاب هذه المعاشات الى الانتفاض والاضراب فإذا بنا نجد عسكريين من أعلى الرتب ينزلون الى الشارع احتجاجاً على تخفيض معاشاتهم. هكذا نجد الدولة تواجه نفسها. الدولة في مواجهة الدولة، فحين نجد في الشارع عمداء في الجيش يحتجون على تخفيض ولو ضئيل لمعاشاتهم نفهم أن التقشف المطلوب هو بالدرجة الأولى داخل الدولة وعلى حساب الدولة، ونفهم أن السنوات الماضية كانت كما قال أحد النواب في جلسة الموازنة: السنوات الماضية هي حكم الأقوياء، وقوة هؤلاء هي التي ضمنت لهم وظائف وأعمالاً في الدولة، كما ضمنت لهم معاشات سخية في الدولة وأن وظائف هؤلاء هي بالدرجة الأولى خدمات تعبّر عن قوتهم وقد حازوا هذه الوظائف بفضل قوة الأقوياء الذين انتخبوهم والذين بادلوهم هكذا خدمة بخدمة ومعاشاً بوظيفة. لقد صارت الدولة على هذه الحال منهبة فالتة بكل معنى الكلمة وتحولت إلى مال سائب فلتان وغدت مرافقها بوابة خدمات مفتوحة نعم حكم الأقوياء الذين يتنافسون على القوة ويتنافسون على الغنائم والدولة هكذا حظيرة الأقوياء.