مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر.(أرشيف)
مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر.(أرشيف)
الثلاثاء 6 أغسطس 2019 / 11:27

فك الارتباط بالتسوية...هل يتحقق هذا العام؟

جد القيادة الفلسطينية نفسها في موقف صعب للغاية، فإما أن تتمسك بخيارها التسووي وهو بالمناسبة خيارها الوحيد، وإما أن تخرج من المعادلة بأن تحل نفسها وتضع إسرائيل في مواجهة مسؤولياتها كقوة احتلال

يقترب الفلسطينيون من لحظة الحقيقة، وهي لحظة صعبة وموجعة وكاشفة لبؤس الرهان الطويل على تحقيق مشروعهم المرحلي بالتسوية السياسية والجهد التفاوضي الساعي إلى إقامة دولة فلسطينية محدودة الحجم والقدرة والمحتوى في نطاق الأراضي المحتلة عام 1967. وقد كان هذا الرهان خياراً فلسطينياً وحيداً في المرحلة السابقة لمؤتمر مدريد واتفاق أوسلو الذي بشر بإحداث ثغرة في الجمود وفتح طاقة فرج أو انفراج كان بعيداً في أزمان سابقة.

لم يأت الفرج، وما تحقق لم يتجاوز حشر الفلسطينيين في كانتونات الضفة والقطاع وتمكينهم من إدارة السكان وتحمل مسؤولية الحكم المحلي بما فيه ضبط الأمن بالأجهزة الشرطية التي تم توجيهها لحفظ استمرارية الأمر الواقع وإبعاد النشطاء والناس كافة عن نقاط التماس ومنعهم من الاشتباك مع الاحتلال، وذلك التزاماً بنصوص الاتفاقات وحماية ما كان يسمى "عملية السلام".

وخلال أكثر من عقدين من هذا الواقع الوهمي في الأراضي المحتلة عملياً والمحررة اسمياً تغيرت الحياة وترسخ ارتباط المنفعة المتبادلة بين الاحتلال القائم بحكم الأمر الواقع والسلطة التي أفرزها الأمر الواقع، وتحول الهدوء في الضفة الغربية إلى عنصر تمكين لليمين الإسرائيلي في مواجهة خصومه السياسيين في تل أبيب، مثلما تحول إلى عنصر مناكفة بين القوى الفلسطينية المتخاصمة، ولم يدرس أحد ظاهرة الهدوء هذه، وأسبابها وكيفية استمرارها في جغرافيا محتلة خلال سنوات طويلة أعقبت الانتفاضة الثانية واستمرت إلى يومنا، وأوصلتنا إلى ما نحن فيه من بؤس سياسي استثمره الأمريكيون لينتقلوا من حالة الراعي للاحتلال إلى موقع الشريك المباشر في آخر احتلال عنصري على وجه الكرة الأرضية.

الآن، وبعد التبشير بالخطة الأمريكية المسماة "صفقة القرن"، وبعد سقوط الاعتقاد الخاطئ بعدم وجود خطة من هذا النوع، واضطرار القيادة الفلسطينية إلى اتخاذ موقف صريح وواضح في مقاطعة الولايات المتحدة علنياً كرد إعلامي على الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبعد اضطرار هذه القيادة إلى إعلان البدء في دراسة الانسحاب من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، ما زال البعض في الساحة الفلسطينية يراهن على كسب الوقت ويراهن على تحول في الموقف الدولي يبرر بقاء السلطة كأحد إفرازات اتفاق أوسلو وربما يبرر العودة إلى لعبة المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية.

لكن الراهن لا يحمل أي مؤشرات بتحول إيجابي في المستقبل ولا يوحي باقتراب روسيا والكتلة الأوروبية والصين من اتخاذ موقف عملي في مواجهة السياسة الأمريكية، كما لا يشير إلى احتمال ولو ضعيف بتغير سياسة واشنطن أو خروج اليمين من حكم إسرائيل.

ويبدو أن ساعة الحسم تقترب بسرعة، لأن واشنطن بدأت بالتحضير لإعلان صفقتها بحضور عربي ودولي، ولأن مواقف الدول تخضع في النهاية لحساباتها الخاصة وتقديرها لمصالحها حتى وإن اصطدمت هذه المصالح بالقيم وبحق الفلسطينيين في ترابهم الوطني.

أمام هذا الواقع تجد القيادة الفلسطينية نفسها في موقف صعب للغاية، فإما أن تتمسك بخيارها التسووي وهو بالمناسبة خيارها الوحيد، وإما أن تخرج من المعادلة بأن تحل نفسها وتضع إسرائيل في مواجهة مسؤولياتها كقوة احتلال، وفي هذه الحالة يختار الفلسطينيون في الضفة والقطاع أسلوب تعاملهم مع واقعهم بلا مقيدات سلطوية أو محددات سياسية اتفق الفلسطينيون والعرب على تسميتها مبادرات.

لا نعرف ما الذي يدور في ذهن السلطة ورئيسها في هذه المرحلة، لكن مسار التحولات الأخيرة يؤكد أنها على وشك الخروج من المشهد بعد التحلل من الاتفاقيات التي دافعت عنها طويلاً. وربما يشهد هذا العام، قبل نهايته، فك الارتباط الفلسطيني بكل مشروع التسوية، والولوج إلى حالة صراعية جديدة تتشكل ملامحها بتلقائية وفي ظل غياب الأطار السياسي.