الكاتبة الأمريكية توني موريسون (أرشيف)
الكاتبة الأمريكية توني موريسون (أرشيف)
الثلاثاء 6 أغسطس 2019 / 23:27

توني موريسون.. الجوهرة التي أضاءت عوالم الأمريكيين السود

24 - إعداد: شيماء بهلول

بعد مسيرة حافلة بالأعمال الأدبية التي ساهمت بإثراء وإغناء التراث الأدبي الأمريكي، توفيت الروائية والنجمة الأمريكية من أصول أفريقية توني موريسون، الحائزة على جائزة نوبل، وصاحبة الرواية الشهيرة "المحبوبة beloved"، عن عمر يناهز 88 عاماً إثر معاناة مع المرض.

بشرتها السوداء وكونها امرأة، لم يمنعها من شق طريق النجاح وتحقيق طموحاتها، متغلبة على جميع أشكال العنصرية والاضطهاد والعبودية في ذلك الوقت، حيث استثمرت تجربتها وظروفها الصعبة في إطار إبداعي، رسخت من خلاله أسس الأدب المتعلق بعوالم وحياة الأمريكيين السود.



ولادتها وتعليمها
ولدت توني موريسون في لورين، ولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1931، وقد هاجرت إليها أسرتها من الجنوب، حيث كان أبوها يعمل في الزراعة بعد أن ضاقت الحياة بالأسرة هناك.

وتعد الكاتبة الثانية بين 4 أشقاء وشقيقات لعائلة سوداء من الطبقة العاملة، لكنها عائلة مثقفة، فقد كان جدها عازفاً موسيقياً وأمها كانت مغنية في كنيسة الحي، أما أبوها فهو حداد.

بعد أن أنهت تعليمها الأولي، التحقت بجامعة هاوارد، وفي عام 1953 حصلت على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي، ولم تقف عند هذا الحد، حيث نالت في عام 1955 على شهادة الماجستير من جامعة كورنيل.

وكانت مهتمة بقراءة الأدب القصصي منذ مراحل حياتها المبكرة، و من أهم الكُتاب الذين تأثرت بهم، جين أوستن وليو تولستوي.

وقبل أن تتجه توني إلى كتابة مؤلفاتها الأدبية الخاصة؛ شغلت بعض المناصب حيث عملت في جامعة تكساس حتى عام 1957، بعد ذلك انتقلت للعمل في جامعة هاوارد وييل، كما عملت أستاذة للإنسانيات في جامعة "برينستون" في نيوجيرسي، حيث نالت درجة الأستاذية وحصلت على مقعد، وعملت كناقدة وألقت العديد من المحاضرات العامة المتخصصة في الأدب الأفريقي الأمريكي.

وبعد حياة زوجية قصيرة مع هارولد موريسون المعماري المشهور، تطلّقت توني عام 1964 لتعمل كمحررة أدبية في مؤسسة راندوم للنشر.



حياتها الأدبية
جعلت توني من الرواية متنفساً للتعبير عن الهوية السوداء وتوكيدها، وكذلك منبراً للبحث عن الحرية، حيث اكتسبت شهرتها العالمية الواسعة من خلال رواياتها التي تعالج مشكلات الهوية الأفريقية الأمريكية.

فقد بدأت بتأليف القصص القصيرة منذ أن كانت في الجامعة، وكانت أولى روايتها تحمل اسم "العين الأكثر زرقة" تم نشرها عام 1970، وهي تحكي عن فتاة سوداء تتوق للحصول على أعين زرقاء.

وبعد نجاح الرواية وترشحها للحصول على عدة جوائز، كتبت روايتها الثانية وهي رواية "سولا" التي نشرت لأول مرة عام 1973، ورُشحت للحصول على جائزة الكتاب الوطنية.

وفي عام 1978، ألفت روايتها الثالث،ة وهي من أشهر الروايات التي كتبتها رواية "أغنية سليمان"، وفي عام 1987 نشرت روايتها "المحبوبة beloved"، وكانت تلك الرواية بمثابة دافع حقيقي لنجاح وشهرة توني في عالم الأدب.


جوائزها
الكاتبة الأمريكيّة هي نجمة تضاهي في شهرتها نجوم هوليوود، بل هناك من ذهب إلى حدّ وصفها بـ"الأسطورة"، حيث ظل أدبها قريباً من فئات المجتمع الأمريكي خاصة "السود" مع توالي الجوائز الأدبية والتقديرات الأكاديمية والجماهيرية.

وكانت قد حصلت على جائزة نوبل في الأدب عام 1993 وذلك عن روايتها "المحبوبة"، والتي تم تحويل لفيلم أمريكي يحمل نفس الاسم، وفي عام 2006 تم اختيارها كأفضل رواية تم نشرها على مدار 25 سنة مضت.

وفي عام 1996 تم منحها ميدالية المساهمة المتميزة في الآداب الأمريكية من قبل مؤسسة الكتاب الوطني، وكما منحت جائزة الكتاب الأمريكي، وجائزة الكتاب الوطني، وجائزة النقاد الوطني، وذلك عن أعمالها التي تميزت بقوة البصيرة ومزجها الشعر والنثر معاً ومدافعتها عن حقوق المرأة ومكانتها في المجتمع، وكما تم ترجمة أعمالها إلى العديد من اللغات حول العالم ومن بينها اللغة العربية.




علاقتها بالرؤساء
أجمع النقاد على القول إن توني موريسون لها شعبيّة كبيرة، حتّى إنّها عندما كانت تخرج إلى الأماكن العامّة، فإنّ النّاس يتجمّعون حولها، ويتمّ وضع الحواجز في الشوارع التي تمرّ منها عند حضورها إحدى المناسبات؛ منعاً للازدحام".

وبسبب شعبيّتها الطاغيّة واعتبارها "صانعة رأي"، سعى الكثير من السياسيين الأمريكيين للتقرّب منها والظفر بودّها وصداقتها، ومن بينهم باراك أوباما؛ الذي رغب بالحصول على تأييدها له عند ترشّحه لمنصب الرئيس في ولايته الأولى.

وتقول توني عن علاقتها بأوباما، في حديث لها مع مجلّة "لير" الفرنسيّة، المتخصّصة في شؤون الأدب: "لم أساند باراك أوباما لأنّه أسود، ولم يكن لون بشرته محدداً لي لتأييده، ولكنّي اقتنعت ببرنامجه السياسي الذّي تقدّم به للانتخابات، وبعد متابعة نشاطه والتعمّق في تحليل شخصيّته، انتهيت إلى الاقتناع بأنّه رجل مثقّف وذكي".

وأضافت "بعد مطالعتي لكتاب (أحلام والديّ) والذي روى فيه سيرته الذاتيّة، وجدت أنه كتاب رائع وعميق، ثمّ أتيحت لي فرصة اللقاء به، وعبّر لي عن إعجابه بإحدى رواياتي ومدى تأثّره بها، وكان بيننا نقاش".

وكما اعترفت أنّ علاقة مودة كبيرة ربطتها بالرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وقالت عنه إنّ "بيل كلينتون تربطه علاقة ودّ مع السود الأمريكيين، فهو رجل عرف اليتم مبكراً بعد وفاة والدته، وعرف الخصاصة أيضاً والفقر عندما كان طفلاً، وهذه قواسم مشتركة بينه وبين غالبيّة السود الأمريكيين، وهو ما قوّى العلاقة وزادها صلابة بيني وبينه".



عنصرية مقيتة
تناولت روايات توني موريسون الـ11، موضوع العنصرية ضد السود في أمريكا، حيث قالت "ما أهتمّ به في رواياتي ليس الحال التي يكون فيها كلّ شيء على ما يرام".

وفي روايتها التّاسعة "هبة"، قدّمت وصفاً اجتماعيّاً دقيقاً لفترة سابقة من تاريخ أمريكا؛ عبر سرد روائي لأحداث تبرز مظاهر الاحتقان الاجتماعي؛ نتيجة لمظاهر العبوديّة والعنصريّة وقتها.

وفي إحدى المرات صرحت بقولها: "أنا لا أكتب انتقاماً من العنصرية، بل لتغيير اللغة إلى لغة لا تنتقص من الناس، لا أحمل سيفاً ولا أبتغي رد المظالم، أريد ملء الفراغ بصوت النساء السوداوات".



عطاء للكتابة
موريسون عرفت عالمياً بنصوصها الملحمية ذات النفس التاريخي والسرد المتماسك الذي تمحور أكثرها حول مسائل العرق، العائلة، الهوية، وغالباً من وجهة نظر امرأة أمريكية سوداء، وفي كل المراحل، قدمت آراءها بشجاعة، ووسعت نطاق الحوار في معنى الهوية: أن تكون أمريكياً أسود، أنثى وإنساناً ومواطناً عالمياً.

ولا شك أن فوزها بالجائزة الأمريكية الأدبية الأرفع على مجمل أعمالها هو بمثابة تحد مباشر لحصار غير معلن لكتبها في المكتبات الأمريكية، حيث رواياتها مثار جدل دائم عبر السنوات نظراً لنبرتها العالية في مواجهة العنصرية.

يقول عنها الذين خبروها عن قرب بأنها قليلة الاحتمال عندما يتعلق الأمر بالصحافيين والنقاد، فحضورها الشخصي يتشابه مع أسلوبها في الكتابة من حيث القوة والثقة المطلقة، وذلك التدفق الأقرب إلى الشعر أكثر منه إلى النثر.



وفاتها
توفيت توني موريسون عن 88 عاماً، إثر معاناة قصيرة مع المرض، وفق ما أفادت عائلتها في بيان، وجاء فيه: "توفيت توني موريسون بالأمس محاطة بأفراد عائلتها وأصدقائها"، مضيفاً أنّه "صحيح أن رحيلها خسارة فادحة، إلّا أنّنا ممتنون لأنها عاشت حياة مديدة وجميلة".

وعرفت بإسهامها في الارتقاء بأدب السود، حيث ألّفت 11 رواية في خلال 6 عقود، فضلاً عن محاولات أدبية وقصص للأطفال ومسرحيتين ونصّ أوبرالي، وكما استعرضت في أعمالها تاريخ الأمريكيين السود، منذ استعبادهم إلى انعتاقهم من العبودية في المجتمع الأمريكي المعاصر.