ذهول على وجه أم تحمل ابنها المريض بعد تفجير معهد الأورام.(أرشيف)
ذهول على وجه أم تحمل ابنها المريض بعد تفجير معهد الأورام.(أرشيف)
الجمعة 9 أغسطس 2019 / 19:15

قاهرو السرطان

وائل ليس الضحية الوحيدة المحتملة، فالمستشفى في الواقع متهم لدى العديد من الأطراف بانتهاج سياسة التملّص من الحالات "الوحشة"

شعرت بالفخر حينما بادر ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالتبرّع بـ50 مليون جنيه للمعهد القومي للأورام في القاهرة بعد التفجير الإرهابي الغادر. وتضاعف فخري حينما هبّ حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي لإنشاء المبنى الشرقي من المعهد.
فلهذا المعهد خاصيته التي لا يقدّرها ولا يفهمها سوى مرضى السرطان في مصر.

إنه يُعتبر بعد الله عز وجل الملجأ الأخير لـ"الغلابة" والفقراء، أي أولئك العاجزين عن العلاج على نفقتهم الخاصة. وفي كل سنة، تضم جدران المعهد 25 ألفاً من هؤلاء المرضى الأقل حظاً، فيتلقى ما يصل إلى 80% منهم العلاج الإشعاعي والكيماوي والجراحي مجاناً، بالإضافة إلى توفير قيمة الفحوصات والأبحاث.

ولكن التفجير الإرهابي الأخير أزال الركام عن أسباب أشد قبحا حتى من الفقر لجعل بعض المستشفيات تقفل أبوابها في وجوه المرضى المسحوقين.
أطلقت صافرة الإنذار بالنسبة لي شخصياً الأم الهلعة للطفل وائل السيد، والذي نجا بأعجوبة إلهية من التفجير.

ذهب وائل على كرسيه المتحرك، وبإبرة العلاج الكيماوي المتشبثة بوريده النحيل، فاستجار بإحدى مستشفيات سرطان الأطفال المعروفة –والتي كثيراً ما تُعرض الإعلانات في القنوات الخليجية خلال شهر رمضان المبارك لتحثّنا على التبرع لها-، فطُرد دون رحمة، ورفضوا استقباله. بل وأمروا والدته بالتوقف عن تصوير فضيحتهم.

وبإزالة الطبقة تلو الأخرى من البلبلة والأقاويل حول هذا المستشفى الشهير، تبيّن أن وائل ليس الضحية الوحيدة المحتملة، فالمستشفى في الواقع متهم لدى العديد من الأطراف بانتهاج سياسة التملّص من الحالات "الوحشة" –كما يقول المصريون بعاميتهم السلسة-.

ببساطة، تزعم التقارير المختلفة –والعلم عند الله- بأن ذلك المستشفى المعروف يحافظ على نسب الشفاء العالية من سرطان الأطفال، والتي من ثم يتباهى بها عبر إعلاناته السنوية الموجّهة للـ"خلايجة"، ويدفعهم من خلالها إلى إخراج بطاقاتهم الائتمانية والقيام بتحويلاتهم البنكية، لأنه يرفض أساساً استقبال الحالات الصعبة، وذات الفرص المتضائلة في التعافي.

إنه الدرس المرّ الذي تجرعته أم مصرية أخرى حينما أُغلق باب المستشفى الفاخر في وجه ابنها ذي الـ12 ربيعاً لإصابته بالسرطان في 4 مناطق متفرقة من جسده، وتدني حظوظه في النجاة. وبالفعل، أصابت توقعاتهم وحسبتهم الرياضية، وتوفى الطفل بعد أسابيع فقط من نشر قصته في مجلة "أصحاب".
فأين ينتهي بهؤلاء المطاف؟ في أماكن عدة طبعاً، منها معهد الأورام.

إنها المؤسسات التي تبقى في نظرنا –نحن البعيدون المتأثرون برسائل الإعلام- مجهولة ومتقاعسة ومتخاذلة، حتى أننا لم نتساءل لم لا تمتلك هي بدورها نسب شفاء قياسية في شفاء السرطان رغم طول باعها في محاربة المرض!

بالطبع، قد يتضح يوما ما عدم صدق جميع هذه الاتهامات ضد المستشفى الشهير، فيخرج بريئاً كبراءة الذئب من دم يوسف. ولكن حتى ذلك الحين، لا بد أن نتوخى الحذّر قبل فتح محفظاتنا وقلوبنا، إذ يحترف البعض فن تلميع الواجهات البراقة.