حركة سيارات خفيفة في شوارع عدن (رويترز)
حركة سيارات خفيفة في شوارع عدن (رويترز)
الإثنين 12 أغسطس 2019 / 20:40

الشرعية انضباط

حين تتبدل المواقف والتحالفات، وتتغير القوى والموازين، نبقى ثابتين على المبدأ. ليس يضرنا أفواه تهرف بما لا تعرف، وعقول تزن بمكيال المصلحة، وأقلام تكتب بإيجار الدولار

تقوم المؤسسات على القيم. هذا مبدأ أحب الحديث عنه، وقد فعلت. اعلُ بهذا المبدأ وانزل، وسوف تجده صادقاً. علواً على الدول والحكومات، ونزولاً على الأسر والأفراد. فالقيم بناءة. وكلما كانت القيم إنسانية تقدمية روحية، كلما كان البناء أحكم.

والانضباط قيمة لا يمكن الاستغناء عنها في أي بناء صغر أم كبر. فبدونه لا يتم البنيان يوماً تمامه. وقد قال الأول:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا.

وجِد الانضباط في البيت فكانت الأسرة المتماسكة والفرد الصالح، ووجد في المدرسة فكان التعليم الفعال والجيل الواعد، ووجد في الأحياء فكانت النظافة والراحة، ووجد في الشارع فكانت انسيابية المرور وسهولة الحركة وإنجاز الأعمال، ووجد في العسكرية فكان النصر. فدائماً دائماً تكون عقبى الانضباط محمودة.

إن من يدعي الشرعية لا تتحقق له دعواه، ولا تنفذ شرعيته إلا بالانضباط. انضباط السلوك، وانضباط رد الفعل، وانضباط الالتزام بالمهمة، وانضباط الأمانة. يفقد الأب شرعيته في البيت إن أخطأ أو أهمل أو خان. وكذا يصدق هذا التعميم على المعلم في مدرسته، وعلى القائد في ثكنته. ويصدق أيضاً بلا مراء على الرئيس في دولته. فمبدأ الانضباط لا يقبل سوى الانضباط.

التربية على الانضباط تكون أعمق في الصغر، وتكون أجدى تحت ظل السلطة. ولذا فإن المجتمعات التي ينشأ نشؤها بلا توجيه مؤثر أو عقل مستبصر يندر أن تكون أرضية خصبة للانضباط. وكذا فإن المجتمعات التي تغيب فيها سلطة المؤسسات لا يمكن أن تطالب بالانضباط، فلا يستقيم الظل والعود أعوج.

دعمت الإمارات الشرعية، ولم ترض لها بديلاً. هذا موقف ومبدأ. ارتضينا هذا المبدأ على أنفسنا، فكانت القبضة الحديدية على من خان وتطرف وإن كان من بني جلدتنا. وارتضيناه على إخواننا في الوطن العربي في مشرقه ومغربه، وكان موقفنا ثابتاً حين طاشت العقول وعميت الأبصار في فتنة الربيع العربي.

الشر​عية تعني الانضباط. والانضباط يعطي الشرعية. ولذا حين تتبدل المواقف والتحالفات، وتتغير القوى والموازين، نبقى ثابتين على المبدأ. ليس يضرنا أفواه تهرف بما لا تعرف، وعقول تزن بمكيال المصلحة، وأقلام تكتب بإيجار الدولار.