الدوحة.(أرشيف)
الدوحة.(أرشيف)
الثلاثاء 13 أغسطس 2019 / 11:19

لماذا يشكّل دعم قطر للإسلام السياسي تهديداً جدياً؟

لا يزال الباحث البارز في مؤسسة الرأي البريطانية "بوليسي إكستشاينج" السير جون جينكينز يتذكر جيداً الأحداث السياسية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وفقاً لما يوضحه في مقاله الذي نشرته صحيفة "ذي آراب نيوز" السعودية.

قطر لا تبدو راغبة بتعلم الدروس نفسها، على الرغم من وعودها المتكررة لزعماء الخليج. ويبدو أنّ تركيا تتبع خطى قطر لا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحسب بل أيضاً في ألمانيا والنمسا والبلقان

على الصعيد الدولي، كانت تلك الفترة ذروة الحرب الباردة. أما في بريطانيا فكانت هناك اضطرابات صناعية منتظمة تغذيها نقابات عمالية متشددة وإدارة سياسية لا تتمتع بالكفاءة في الغالب.
في السبعينيات، كان الاتحاد الوطني للعاملين في المناجم بقيادة آرثر سكارجيل شوكة في خاصرة الحكومات المتعاقبة مثل الكثير من زملائه الماركسيين. في الانتخابات العامة لسنة 1974، أصبح السؤال: من يحكم بريطانيا؟
  
الاتحاد السوفيتي.. تمويل للتقويض
يتابع جينكينز أنه خلال إضراب عمال المناجم سنة 1984-1985 تلقى الاتحاد تمويلاً من ليبيا القذافية والاتحاد السوفياتي. بفضل كشف أوراق رسمية وعمل بعض الصحافيين، يعلم المراقبون اليوم الكثير عن جهود الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية الدائرة في فلكه. لقد بذلوا هذه الجهود لاستهداف النقابيين والسياسيين البارزين كعملاء محتملين لممارسة النفوذ فتلقوا تمويلاً مكثفاً ونجحوا أحياناً. وحصل الكثير مما يشبه ذلك في كل أوروبا الغربية حيث كانت الأحزاب الشيوعية أقوى غالباً من تلك الموجودة في المملكة المتحدة.

كان الوزراء البريطانيون يقظين إزاء التهديد الذي يواجهه الأمن القومي. في سنة 1966، وصف رئيس الوزراء العمالي هارولد ويلسون قادة إضراب عمال الموانئ بأنهم "رجال يتحركون بدوافع سياسية". وفي أواسط السبعينات، وقف رئيس حكومة عمالي آخر جايمس كالاغان ووزير ماليته دنيس هالي ضد ضغوط اليسار المتطرف في الأحزاب العمالية. وهكذا فعلت لاحقاً مارغريت تاتشر ورئيس حزب العمال نيل كينوك ضد الذين اعتقدا أنهم يسعون لتقويض السياسات الديموقراطية والاقتصاد المفتوح". تمّ ذلك لا لأنّ اللينينية الماركسية هدفت إلى تطوير النظام الرأسمالي الليبيرالي الذي شكّل أساس الديمقراطيات الأوروبية والبريطانية لكن لإطاحته واستبداله.

مصادر تهديد أخرى
لا تزال الماركسية اللينينية حاضرة لكن ينقصها دولة راعية مصممة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. تأتي التهديدات الجديدة للديمقراطيات الليبيرالية من أماكن أخرى. أحد هذه المصادر هو التسلطية الجديدة الصاعدة في الصين وروسيا وغيرهما حيث تسعى لاستغلال الضغوط السياسية في أوروبا والولايات المتحدة والأدوات الرقمية المعقدة. يرغب هؤلاء المتسلّطون في إعادة ترجيح ميزان النظام العالمي لمصلحتهم، لكنهم لا يريدون تحديداً استبدال – كنقيض لصياغة – الأنظمة السياسية الأخرى، على الأقل حتى اليوم. ليست هذه الحال مع التهديد الآخر للديموقراطية الليبيرالية: الإسلام السياسي.

تحذير مهم وفي وقته
نشرت صحيفة ذا تايمز البريطانية تقريرين الأسبوع الماضي حول كميات ضخمة من التمويل تم تحويلها من قطر عبر بعض المصارف والمؤسسات الخيرية إلى قضايا إسلاموية في بريطانيا. خلال هذه السنة، نشر صحافيان في باريس أحدث سلسلة من الكتب الفرنسية حول الموضوع، "أوراق قطر"، وهو كتاب يفصّل شبكة شاملة للتمويل القطري عبر أوروبا لصالح قضايا ومجموعات إسلاموية خصوصاً الإخوان المسلمين. يصف الكتاب ما يحصل ب "الدخولية" entryism وهي كلمة استُخدمت سابقاً لتوصيف إخضاع الشيوعية للمؤسسات الغربية من الداخل والتي عادت للرواج كنتيجة لبروز جيريمي كوربين. لقد تسبب ذلك ببعض الجلبة كما كان متوقعاً لكنه تحذير مهم وفي وقته.

تشابه بين الإسلاموية والشيوعية
إنّ مبدأ عدم التدخل هو جزء أساسي من القانون الدولي حتى ولو كان غير واضح كثيراً على المستوى العملي في عالم شديد الاعتماد على بعضه البعض. تتمتع الدول بحق واسع إن لم يكن غير مقيد بالسيادة وترتيباتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشرط ألا تفرض تهديداً على الآخرين. لكن الإسلاموية، كالشيوعية، لا تسعى إلى التنافس مع أنظمة أخرى تنافساً ودياً أو غير ودي. إنها تسعى إلى استبدالها. هذا الأمر بالغ الحساسية بالنسبة إلى المسلمين وغير المسلمين معاً. غير أنّ هذا لا يعني بقاء المراقبين صامتين بما أنّ المسألة ملحة جداً.

ما هي الإسلاموية؟
الإسلاموية هي تعبئة الهوية الدينية والثقافية عمداً من أجل مصالح مؤسسة سياسية عابرة للأوطان غالباً، عنيفة أحياناً، لكن دائماً ثورية-اجتماعية استبدالية. على طريق الوصول إلى هذا الهدف، هي تنظر إلى حضارة الإسلام المركّبة والمتنوعة والغنية بشكل غير عادي من خلال عدسة تاريخية استبدادية وفقيرة وتدعي الحق الحصري لإصدار قرار بالطبيعة الدقيقة للإسلام والهوية الحقيقية للمسلم. يمكن أن يكون هذا استبدادياً ومزعزعاً للاستقرار بشكل عميق ومؤكد. يطرح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العديد من الأسباب التي تبرهن ذلك.

2002 سنة التحول في السعودية

أشار جينكينز، وهو سفير بريطاني سابق في الرياض، إلى أنّ السعودية كانت في الماضي عرابة لمجموعات إسلاموية عدة على المستوى الدولي لأسباب معقدة مثل التهديد الذي فرضه عبد الناصر والمجموعات العروبية العابرة للأوطان وبعضها مرتبط بثقة موضوعة في غير مكانها بزعماء إخوانيين على أساس أنهم مجرد أشخاص يريدون الترويج للإسلام. لكن بحلول 2002، حين قدّم الأمير المغفور له نايف بن عبد العزيز مقابلته الإعلامية الشهيرة لصحيفة السياسة الكويتية، تحطمت تلك الأوهام حقاً فيما تسلك المملكة اليوم مسارات أخرى.

قطر وتركيا لم تتعلما الدرس
أضاف جينكينز أنّ قطر لا تبدو راغبة بتعلم الدروس نفسها، لأسباب يجهلها، على الرغم من وعودها المتكررة لزعماء الخليج. ويبدو أنّ تركيا تتبع خطى قطر لا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحسب بل أيضاً في ألمانيا والنمسا والبلقان. هذه مشكلة كبيرة وستظل مشكلة كبيرة طالما أنّ الإخوان وأشكالاً أخرى من الإسلاموية السياسية تحصل على دعم الدول في محاولاتهم لا لاستبدال النظام السياسي والاقتصادي والثقافي دولياً وداخلياً أيضاً بنظام من اختيارهم الخاص.