الأربعاء 14 أغسطس 2019 / 13:31

العرب والأكراد..صراع على السلطة أم تقاسم لها؟

رأى تقرير، نشرته مجلة "ناشونال انتريست" الأمريكية، أن فرض الاستقرار وإعادة بناء منطقة شمال شرق سوريا، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يبدوان أكثر صعوبة من هزيمة داعش، إذ تمثل ثلث مساحة سوريا ويسكنها قرابة خمسة ملايين نسمة، بما في ذلك العرب والأكراد والمسيحيون السريان والأشوريون والكلدانيون، إلى جانب الأيزيديون والتركمان.

ضمان هزيمة داعش يتطلب حض أعضاء التحالف الدولي، والولايات المتحدة خصوصاً، على زيادة الدعم المالي والسياسي لتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار، لاسيما في ظل محاولات داعش لجذب المزيد من المجندين

ويُشير التقرير، الذي أعده الباحثان إيمي أوستن وهولمز فلاديمير فان ويلينبرغ، إلى أن منطقة شمال شرق سوريا تواجه تحديات كثيرة؛ بما فيها استمرار رفض الرئيس السوري بشار الأسد تقديم أي تنازلات للمنطقة رغم أن قواته فقدت سيطرتها على شمال البلاد منذ أكثر من سبع سنوات.

تحديات وتهديدات

و يهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بغزو المنطقة، وتشن خلايا داعش النائمة هجمات بشكل منتظم. وفي الوقت نفسه يرفض العديد من البلدان استعادة مواطنيه الذين انضموا طوعاً إلى تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي أجبر الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا على إطعام وإيواء آلاف من مقاتلي داعش الأجانب المحتجزين لآجل غير مسمى.

وبالنظر إلى ضخامة هذه التحديات وصعوبة الموقف الراهن، يحض التقرير على وضع سياسة أمريكية وتنفيذها بعناية في هذه اللحظة الفاصلة التي تشهدها المنطقة، وبخاصة مع إثارة تساؤلات في الآونة الأخيرة حول مدى قدرة الإدارة الذاتية على حكم هذه المنطقة بفاعلية.

دراسة كارنيغي
وينتقد تقرير "ناشونال إنتريست" الدراسة الصادرة مؤخراً عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي تحت عنوان "الصراع الكردي – العربي على النفوذ في شمال شرق سوريا" التي أعدها كل من إليزابيث تسوركوف وعصام الحسن.

وأكدت الدراسة أن الأكراد ليسوا على استعداد لتقاسم السلطة مع نظرائهم العرب وأن قوات "قسد" غير قادرة على التفاوض في السياسة القبلية، كما أن الإدارة الذاتية لا تستعين بالمهنيين ذوي الخبرة وإنما تعتمد على الكوادر الإيديولوجية.

ويعتبر التقرير أن دراسة "كارنيغي" قدمت فهما سطحياً لحقيقة الأمور على أرض الواقع وتقود إلى تأجيج التوترات المحتملة بدلاً من تقديم تحليل موضوعي. ويشدد الباحثان على أن العرب والأكراد والمسيحيين قد حاربوا جنباً إلى جنب في إطار قوات "قسد" لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي، وقُتل منهم 11 ألف مقاتل ودُفنوا جميعاً جنباً إلى جنب في المقابر في جميع أنحاء المنطقة.

وتعاونت وحدات حماية الشعب الكردية مع الجماعات المسلحة العربية طوال فترة الصراع، وبدأت في تجنيدهم منذ أواخر 2012 قبل إنشاء قوات قسد في أكتوبر(تشرين الأول) 2015، واستمر انضمام العرب إلى قسد حتى بعد هزيمة داعش في مارس (آذار) الماضي، وفي الوقت الراهن ما لا يقل عن نصف مقاتلي قسد من العرب.

مخاوف العرب السوريين
ويوضح الباحثان أن القادة الأكراد في كثير من الأحيان يتفهمون حساسية مخاوف العرب السوريين. فعلى سبيل المثال تم تغيير اسم الكيان الحاكم في ديسمبر (كانون الأول) 2016 من "روجافا" إلى شمال سوريا، الأمر الذي أغضب العديد من القوميين الأكراد، كما تم السماح ببقاء المستوطنين العرب الذين عمد نظام الأسد في السبعينيات إلى توطينهم في محافظة الحسكة لاستبدال القرى الكردية.

ويضيف تقرير المجلة الأمريكية أن النظام الفيدرالي ألغي في 2018 ونقل المركز الإداري أو العاصمة من القامشلي إلى مدينة عين عيسى العربية، ويحمل الشعار الرسمي للإدارة اللغات العربية والكردية والسريانية والتركية، وتتشارك قوات الأمن العربية مع الأكراد في حراسة المباني المهمة، فضلاً عن تعديل المناهج والتخلص من إيديولوجية البعثيين.
ويلفت الباحثان إلى أن المعارضة السورية المقيمة بالخارج، على عكس الأكراد، لا تزال ترفض إسقاط كلمة "عربي" من الجمهورية العربية السورية؛ إذ تسعى للحفاظ على الإيديولوجية البعثية التي لا تهمش غير العرب الموجودين داخل سوريا فحسب وإنما تنكر وجودهم بالأساس.

إخفاق تركيا
ويلفت التقرير إلى أن قسد حققت نجاحاً أكبر في التعامل مع قبائل العرب بسوريا مقارنة مع تركيا ونظام الأسد، وحتى قبل إنشاء قسد، كانت وحدات حماية الشعب الكردية تعمل عن كثب مع قبائل شمر وجبور وأمصايل منذ أوائل 2013. وعندما كانت فصائل المعارضة تسيطر على دير الزور فإنها لم تكن قادرة على منع الجماعات الجهادية المتناحرة من السيطرة على أجزاء كبيرة من المحافظة. ويشكل غياب قوات "قسد" خطراً حقيقياً يهدد بعودة الجماعات الجهادية مثل داعش وهيئة تحرير الشام إلى دير الزور، وفي إدلب لم تتمكن فصائل المعارضة من مقاومة هيمنة هيئة تحرير الشام.

ويقول التقرير: "غالبا ما كانت تركيا غير قادرة على وقف القتال بين فصائل المعارضة في المناطق الخاضغة للسيطرة التركية. فعلى سبيل المثال في مدينة الباب قاتل فصيل أحرار الشرقية (من دير الزور) الفصائل الأخرى خلال العام الماضي، وفي أغسطس(آب) 2017 هدد هذا الفصيل الجنود الأمريكيين. ولذلك لن يسفر إحضار مثل هذه الفصائل إلى دير الزور عن المزيد من الاستقرار، وبالنظر إلى عدد الفصائل المتنافسة على الأرض، يحتاج الأمر إلى بنية مركزية للقيادة، وهو ما حافظت عليه قوات قسد "حتى مع توسعها وتكيفها مع الظروف المحلية".

ويخلص تقرير المجلة الأمريكية إلى أن ضمان هزيمة داعش يتطلب حض أعضاء التحالف الدولي، والولايات المتحدة خصوصاً، على زيادة الدعم المالي والسياسي لتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار، لاسيما في ظل محاولات داعش لجذب المزيد من المجندين من خلال استغلال السخط الشعبي بسبب نقص البنية التحتية في المناطق الحضرية التي مزقتها الحرب. ويتعين أن يشمل هذا الاستثمار البنية التحتية التعليمية المدنية في المنطقة وبرامج محو الأمية والضغط على تركيا والعراق لفتح الحدود وتسليم السلع الإنسانية.