العراقي جيمي الداوود الذي توفي في العراق بعد ترحيله من أمريكا (أرشيف)
العراقي جيمي الداوود الذي توفي في العراق بعد ترحيله من أمريكا (أرشيف)
الجمعة 16 أغسطس 2019 / 20:49

جلد الذات!

بتنا نجلد ذواتنا حينما يتعلق الأمر بالأقليات في الغرب حتى أننا نغفل عن وقوعنا معاً بين فكيّ نفس الوحش العنصري الزينوفوبي

لطالما تفهمت اتخاذ فريق من المسلمين لجلد الذات المستمر سبيلاً للتكفير أمام أنظار البشرية عن خطيئة مسلمين آخرين عاثوا في الأرض فساداً.

لقد كان منظرهم –وربما كنت منهم في مرحلة عمرية مبكرة- مثيراً للاستغراب والشفقة على حد السواء، وهم يعلّقون أنفسهم على صلبان النقد الموضوعي تارة، والهجوم المسعور تارة أخرى، لعلهم يحملوا بذلك وزر شياطين الإرهاب والتطرف.

والتمست لهؤلاء المسلمين المُعذّبين العذر، إذ رأيت فيهم نُبلاً وإنسانية. ولكني لم أتمتع ببعد النظر الكافي لأرى عادتهم في جلد الذات تتحوّل إلى نقمة ضدهم.

لقد أغضبت الولايات المتحدة العالم بترحيلها للكلداني جيمي الداوود إلى العراق، البلد الذي لم يعرف منه سوى اسمه، ولم يلتحف يوماً سماءه، ولم يتحدث بلسان أهله، فكان مصيره الموت فيه بسبب معاناته لتوفير المأوى والطعام ودواء الأنسولين. لقد دفع جيمي ثمناً قاسياً جداً لسياسات الهجرة الجديدة التي تتخذها إدارة دونالد ترامب تجاه مواطني بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة.

مات جيمي، وتأكد معه موت احترامنا لذواتنا.
لم يتطلب مني الأمر التنبيش مطولاً في أقسام التعليقات بالمواقع الإخبارية العربية، أو بين حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، لألاحظ الأغلبية يعلّقون مستنكرين "ولكنه مسيحي!"، "ولكنه ليس مسلماً حتى!"، وكأنما التنكيل بنا صار من بديهيات الحياة.

إن شريحة ليست بالصغيرة من المسلمين باتت تقتنع في داخلها بأنها قد جرت المصائب على الأقليات غير البيضاء، أو غير المسيحية في الغرب، وبأن هذه الأقليات باتت تُعاقب يومياً بجريرتنا نحن لا أكثر، وبأنها كانت لتكون على خير ما يرام لولانا.

بكلمات أخرى، إن كلاً من حسين ويزيد يشعران بأن "جيمي" قد مات بسبب تقارب جذوره مع جذورهما، وتطابق سحنته مع سحنتهما.
ولم تظهر هذه القناعة الغريبة مع موت جيمي فحسب.

بل إني رأيت الشعور المتضخم للذنب بين مسلمات الغرب حينما اشتدت الهجمات الإسلاموفوبية ضد الرجال الهنود السيخ، وذلك بسبب تشابه عمامتهم في مخيلة العنصري الغبي مع الحجاب!

"أنا السبب"، رددت عائشة وزهراء في قرارة أنفسهما، ثم راحتا تصرّان وتوضحان عبر المنصات الإعلامية الناطقة بالإنجليزية بأن لا علاقة لـ"مستر سينغ الطيب" بجريمتهما المزعومة: الحجاب.

قد أتفهّم الحاجة إلى جلد الذات، وما يصاحبها عادة من نية صادقة في إعادة الحقوق إلى أصحابها، وإن لم نكن نحن المسؤولين عن هدرها أصلاً.
ولكننا بتنا نجلد ذواتنا حينما يتعلق الأمر بالأقليات في الغرب حتى أننا نغفل عن وقوعنا معاً بين فكيّ نفس الوحش العنصري الزينوفوبي. لم يجرَّ إسلامنا على الهندوس، والمسيحيين العرب، واليهود المشرقيين، وغيرهم الكثير، أي مصيبة أكبر من كون ذلك المتطرف الأبيض لا يرانا جميعا سوى عدو واحد مشترك.
ليرحم الله جيمي، وجميع من يئنون معاناة وقهراً بسبب اختلافهم. ولكننا لسنا مجبرين على تحميل كواهلنا وزرهم حتى يفلت الجاني الحقيقي.