الأحد 18 أغسطس 2019 / 13:44

أي تهديد تمثله الاستراتيجيات القتالية التي اكتسبتها طهران في سوريا؟

حذرت الباحثة أريان طباطبائي، في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، من أن تدخل إيران في الحرب الأهلية السورية قد أسفر عن تغيير طريقتها الحربية وتكتيكاتها العسكرية؛ إذ اكتسب الجيش الإيراني قدرات جديدة وبخاصة فيما يتعلق بتجنيد الوكلاء وتدريبهم فضلاً عن تنسيق العمليات العسكرية مع القوات الأجنبية، الأمر الذي ينطوي على عواقب حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة، لاسيما في ظل صدام قريب متوقع بين البلدين.

أكبر تهديد تواجهه الولايات المتحدة من إيران يتمثل في القدرة الحربية المختلطة التي شحذتها طهران على مدى العقود الأربعة الماضية واكنملت في سوريا

وتستهل الباحثة مقالها بالإشارة إلى المظاهرات الحاشدة التي شهدتها إيران قبل عامين من انطلاق الثورات العربية في ربيع عام 2011، وذلك عند احتجاج ملايين الإيرانيين على ما اعتبروه إعادة انتخاب احتيالي للرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد، ولكن مع حلول عام 2012، كان نظام ملالي طهران قد سحق بالفعل حركة الاحتجاجات بشكل فعال.

قلق ملالي طهران
وتُشير الباحثة إلى أن الاحتجاجات التي اندلعت في سوريا عام 2011 على وجه الخصوص خطفت أنظار الإيرانيين؛ وبخاصة لأنها حليفة نظام الملالي والشريك العربي الحقيقي الوحيد لطهران؛ ولذلك رحب العديد من الإيرانيين المعارضين لنظام الملالي باحتمالية سقوط الرئيس السوري بشار الأسد.

ولكن على النقيض من ذلك، تابع ملالي طهران الأوضاع في سوريا بقلق عميق؛ خشية من انهيار حليفه نظام الأسد، وخصصت طهران موارد ضخمة لدعم الأسد وتعميق تورط إيران مع تحول الانتفاضة في سوريا إلى حرب أهلية شرسة.

وتوضح الباحثة أن طهران أنفقت حتى الآن قرابة 15 مليار دولار من أجل دعم نظام الأسد، وذلك رغم انهيار الاقتصاد الإيراني تحت وطأة العقوبات وبسبب الحرب. كما يُعتقد أن إيران أرسلت حوالي 10 آلاف شخص، بما في ذلك القوات المقاتلة إلى سوريا ما بين عامي 2011 و2014. ولا يتضمن هذا العدد القوات المدعومة إيرانياً من الخارج والتي حددتها صحيفة "وول ستريت جورنال" بـ 130 ألف مقاتل في عام 2014.

تدخل باهظ الكلفة
وقد اعترفت طهران بمقتل ما لا يقل عن 2100 إيراني في الصراع بحلول عام 2017، بما في ذلك عدد من القادة العسكريين رفيعي المستوى. وعلى الرغم من أن الحرب السورية قد أوشكت على الانتهاء اليوم، إلا أن عودة الجثث الإيرانية إلى ديارها لاتزال مستمرة.

وتقول الباحثة: "كان تدخل إيران الباهظ الكلفة حاسماً في بقاء نظام الأسد، بيد أنه كان له تأثير عميق على إيران نفسها؛ إذ أسفرت تجربة القتال في سوريا عن تغيير طريقة الحرب الإيرانية وتكتيكاتها العسكرية، فضلاً عن السماح
للجيش الإيراني باكتساب قدرات جديدة؛ وبخاصة فيما يتعلق بالتعاون مع الجيوش الأجنبية وتدريب قوات الوكلاء من خارج إيران".

وتضيف الباحثة أن تلك التغيرات التي شهدها الجيش الإيراني ليست قاصرة على سوريا، فمع تزايد التوترات بين واشنطن وطهران لاشك في أن الولايات المتحدة وشركاءها سوف يستشعرون تداعيات التحول العسكري الإيراني، لذا يتعين على واشنطن إيلاء اهتمام وثيق بما تعلمه الإيرانيون في سوريا من أجل التعرف على الاستراتيجيات والتكتيكات التي سوف تتلاعب بها طهران في أي صراع مستقبلي مع الولايات المتحدة.

دعم الوكلاء بالخارج
وتلفت الباحثة إلى أنه منذ بداية القرن العشرين نادراً ما كانت إيران تنشر قوات خارج حدودها، وخاض ملالي طهران حرباً استمرت ثماني سنوات ضد صدام حسين في العراق، وراح ضحيتها مئات الآلاف من الجنود الإيرانيين، ولكن لم يستطع أي من الطرفين إعلان النصر بشكل مقنع.

وفي أعقاب الحرب بين إيران والعراق التي انتهت عام 1988، حددت إيران نطاق تدخلاتها الأجنبية بتقديم المساعدة والمشورة؛ حيث كانت البلاد تفتقر إلى القدرات العسكرية التقليدية، كما سعت إلى نهج الإنكار المقبول ظاهرياً عندما كان من الممكن تفسير أعمالها بأنها غير شرعية أو خارج الحدود.

وفي بعض الأحيان، شنت إيران غارات جوية ضد جهات فاعلة غير حكومية خارج حدودها، فعلى سبيل المثال استهدفت خلال فترة التسعينيات الأكراد الانفصاليين وحركة "مجاهدي خلق" التي وصفتها القيادة الإيرانية بأنها إرهابية. وتمثل الجزء الأكبر من تدخل إيران في البلدان الأجنبية من خلال تدريب الوكلاء وتسليحهم وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ويُعد "حزب الله" في لبنان المثال الأبرز على هذا النهج.

وتُشير الباحثة إلى أنه عندما بدأت الاحتجاجات في سوريا عام 2011، اتبعت طهران قواعد اللعبة المعتادة وأرسلت التكنولوجيا والمعدات والأسلحة، بالإضافة الذي المستشارين الذين يمكن الاستفادة من تجاربهم الفاعلة في سحق المتظاهرين ضد النظام حتى في منازلهم.

مستنقع الحرب السورية

ولكن مع انزلاق سوريا إلى حرب أهلية شاملة، تبددت آمال طهران في أن تكون مهمة تحقيق استقرار نظام الأسد في سوريا سريعة ومنخفضة الكلفة نسبياً. والواقع أنها قد تحولت إلى مستنقع أجبر القادة الإيرانيين والمخططين العسكريين على التكيف معه طالما استمرت رغبتهم في منع استبدال نظام الأسد بآخر معادي لملالي طهران.

وعندما اكتسبت المعارضة السورية زخماً في عام 2013 ودعت القوى الغربية الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي، بدأت طهران في نشر قواتها القتالية الخاصة في سوريا كجزء من نهج أكثر انفتاحاً وحزماً، بعد أن كانت عمليات قوات الحرس الثوري الإيراني تتم في سرية سابقاً. وفي الوقت نفسه أرسل شركاء إيران ووكلاؤها في الخارج قوات إلى سوريا، وخاصة حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية وميليشيات المتطوعين المعروفة باسم الباسيج. فضلاً عن تجنيد طهران لميليشيات جديدة من الشيعة الباكستانيين والأفغان الذين وعدتهم بالتعويض والإقامة في إيران مقابل انضمامهم إلى القتال ودعم نظام الأسد.

المصالح الإيرانية الروسية

وتلفت الباحثة إلى أن طهران توقفت عن محاولة إخفاء تورط في سوريا، وبدأت في الإعلام عن دورها في الصراع.

وبحلول عام 2016 كانت منصات وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني تبث مقاطع فيديو لزيارات قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى جبهة القتال.

وتعتبر الباحثة أن تنسيق القوات الإيرانية مع الحكومة الروسية، التي تدخلت بتوفير الدعم الجوي للجهود السورية والإيرانية في عام 2015، يشكل تطوراً مهماً آخر بالنسبة إلى إيران، لاسيما في ظل العلاقة التاريخية بين طهران وموسكو المحفوفة بالتوتر وانعدام الثقة.

وتقول الباحثة: "بالطبع لم تمح الحرب في سوريا الشك المتبادل بين البلدين، ولكنها قدمت مثالاً رائعاً لما يمكن أن يحققه التعاون عندما تتماشى المصالح الإيرانية والروسية، إذ كان الدعم الجوي الروسي، الذي تم تنسيقه عن كثب مع الحرس الثوري الإيراني وشبكته من الوكلاء الأجانب، حاسماً في نجاح العمليات الإيرانية وبقاء الأسد في السلطة".

عواقب مقلقة
وتصف الباحثة الحرب السورية بأنها تُعد المرة الأولى التي تخوض فيها القوات الإيرانية قتالاً حقيقياً خارج حدود طهران منذ انتهاء الحرب الإيرانية العراقية. وقد تركت هذه التجربة تأثيراً عميقاً على التفكير العسكري الإيراني، وباتت إيران مجبرة على تحديث عقائدها وإجراءاتها العسكرية، وزيادة تماسكها وتعزيز قدرتها على القيام بعمليات مشتركة مع الجيوش الأجنبية.

وعلى الأرجح، فإن تطور النهج الإيراني في الحرب ينطوي على عواقب حقيقية بالنسبة للولايات المتحدة وقواتها المسلحة، سواء بشكل مباشر أو عبر الوكلاء، وخصوصاً مع احتمالات تصاعد الصدام في المستقبل القريب، وكذلك لأن القوات الإيرانية والميليشيات المدعومة إيرانياً تعمل الآن على مقربة من القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا ومنطقة الخليج.

وتقول الباحثة: "على الرغم من أن القدرات التقليدية لإيران لا تضاهي قدرات الولايات المتحدة والأهم أن إيران لا تمتلك أسلحة نووية حتى الآن، إلا أن أكبر تهديد تواجهه الولايات المتحدة من إيران يتمثل في القدرة الحربية المختلطة التي شحذتها طهران على مدى العقود الأربعة الماضية واكنملت في سوريا. وتمتلك إيران الآن قدرات جديدة للتجنيد وشبكة موسعة من الوكلاء وآلة إعلامية ضخمة، وكذلك قدرة قوية على التنسيق مع الحلفاء المسلحين تقليدياً مثل روسيا".

وتختتم الباحثة مقالها بحض واشنطن، التي تسعى إلى مواجهة النشاط الإيراني المتزايد في الخليج ومضيق هرمز، على ملاحظة ما اكتسبته طهران من التدخل في سوريا؛ حيث تغيرت طريقة الحرب الإيرانية، فضلاً عن اتجاه طهران لتعميق العلاقات مع روسيا الذي ينعكس من اتفاقية التعاون العسكري التي تم توقيعها بين البلدين في وقت سابق من الشهر الجاري ولم يتم الإعلان عن التفاصيل، ولكن يبدو أنها تنطوي على مكون بحري مهم.