الأحد 18 أغسطس 2019 / 12:13

من سيحكم المنطقة الآمنة في شمال سوريا؟

مطلع أغسطس (آب) الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن توصل وفدين عسكريين أمريكي وتركي إلى اتفاق بشأن إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا تخصص للاجئين هاربين من الحرب الدائرة منذ عام 2011.

خلو الاتفاق من أية إشارة لمن سينشئ تلك المنطقة الآمنة، يكشف مدى تعقيد العلاقة الأمريكية – التركية

ولكن هناك مشكلة كبرى بشأن هذا الاتفاق، وفق ما كتبه، في موقع "ناشونال إنترست"، داكوتا وود، باحث بارز في برامج دفاعية لدى معهد "هريتيج"، وزميله جيمس فيليبس، باحث وزميل في المعهد، متخصص في شؤون الشرق الأوسط.

وتكمن تلك المشكلة، حسب كاتبي المقال، في كون المنطقة المقترحة سوف تقتطع من منطقة خاضعة حالياً لسيطرة ميلشيات كردية سورية، تعمل تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية. وتنظر واشنطن إلى ميلشيات كردية كحلفاء رئيسيين ضد داعش، ولكن أنقرة ترى أنها تمكن انفصاليين أكراداً يحاربون تركيا منذ الثمانينات.

إغفال تفاصيل
ويشير الكاتبان لإغفال الاتفاق تفاصيل أساسية، كالمعالم الرئيسية للمنطقة، أو من سوف يحافظ فعلياً على الأمن داخل تلك المنطقة. وربما لا يفترض أن يكون ذلك مدهشاً، لأنه، بعد كل شيء، المشكلة التي يعمل الاتفاق على حلها شديدة التعقيد، ولا تتوافر إجابات سهلة أو حلول سريعة لها.

ويلفت الكاتبان للجوء ما يزيد عن أربعة ملايين لاجئ سوري إلى تركيا التي ترغب بإقامة منطقة آمنة تستطيع من خلالها نقل لاجئين، لتخفف ضغط فرضته على مواردها المحلية، ناهيك عن مشاكل داخلية، لم تكن ترغب بوقوعها.

مكسب مضاعف
ولكن، وحسب كاتبي المقال، تبعاً لحسابات تركيا، توفر المنطقة الآمنة فرصة مضاعفة لإبعاد أكراد سوريين عن الحدود التركية، ما يجعل من الصعب عليهم إقامة كيان كردي متجانس يفرض نفسه في المطالبة بمناطق في شرق تركيا. ولذا يمثل الاتفاق احتمال تحقيق مكسب مضاعف لتركيا، ولكن على حساب الأكراد.

ويرى الكاتبان أن الأكراد يعانون من جميع الأطراف. فالأتراك ينظرون إليهم باعتبارهم إرهابيين يسعون لإقامة وطن لهم سيقام على جزء من تركيا، كما تنظر لهم الحكومة السورية من نفس المنظار، أي عقبة على طريق استعادة الرئيس السوري بشار الأسد السيطرة على "كل شبر" من الأرض السورية، كما وعد.

متنافسون
ويتنافس للسيطرة على تلك المنطقة ما تبقى من فلول داعش، وعناصر فتاكة من القاعدة، وأعداد كبيرة من مقاتلي المعارضة السورية من تنظيمات إسلامية متشددة أخرى، ومقاتلون إيرانيون، وميليشيات موالية لإيران(بما فيهم عناصر من حزب الله). ويتحارب جميع هؤلاء للسيطرة على ما تبقى من بنية تحتية، ووقع الأكراد وسط جميع هؤلاء.

وتسعى الولايات المتحدة لتخفيف معاناة الأكراد ومنع إبادتهم. ولكن أمريكا عملية أيضاً، وتدرك تماماً أن الأكراد مقاتلون أكفاء، وهم الأكثر فعالية في مهاجمة جماعات إرهابية تشكل تهديداً على المصالح الأمريكية.

علاقة معقدة
وباعتقاد كاتبي المقال، فإن خلو الاتفاق من أية إشارة لمن سينشئ تلك المنطقة الآمنة، يكشف مدى تعقيد العلاقة الأمريكية – التركية. ومن المعروف أن كلا البلدين عضو في حلف الناتو، وتعتمد الولايات المتحدة على استخدام منشآت عسكرية تستضيفها تركيا. ولكن تركيا مضت في طريقها، واشترت من روسيا نظام الدفاع الصاروخي المتطور S-400، رغم هواجس أمريكية بشأن خطر يشكله هذا النظام على برنامج أحدث مقاتلاتها النفاثة، F-35.

إلى ذلك يرى الكاتبان أن اللاجئين السوريين بحاجة إلى ملاذ آمن طالما تواصلت الحرب الأهلية في سوريا. كما أن الأكراد السوريين شركاء قيمون فيما يتعلق بمساعي أمريكا لمحاربة داعش، ولاحتواء النفوذ الإيراني. ولا ينبغي لواشنطن أن تسمح بأن يقعوا فريسة لخصومهم، النظام السوري، أو داعميه الإيرانيين.

مخاطر أمنية
ووفقاً لرأي كاتبي المقال، لا تستطيع الولايات المتحدة أن ترحل تماماً عن المنطقة بسبب مخاطر أمنية أكبر تمثلها تنظيمات إرهابية، وكذلك جراء مخططات إيران لترسيخ وجودها في سوريا، ولفتح جبهة جديدة عند الحدود مع إسرائيل. وعلى الولايات المتحدة أن تسعى للتوسط بين تركيا وأكراد سوريا، كما لعبت سابقاً دوراً في إقامة علاقات أفضل بين تركيا وأكراد العراق.

وفي ختام مقالهما، يرى الكاتبان أنه بقدر كون الانسحاب الأمريكي محبطاً وغير مرضٍ، من الأفضل بكثير التوصل إلى نتيجة "سيئة على الأقل"، عوضاً عن ترك المنطقة عرضة لمزيد من الفوضى ومذابح وتطهير عرقي وإنهاء تحالفات. وتلك هي طبيعة مشاكل مستعصية، وهي غالباً طبيعة علاقات إقليمية، وتلفت لأهمية ممارسة ديبلوماسية متأنية بارعة ومركزة.