الإثنين 19 أغسطس 2019 / 12:02

العراق يصارع لتحييد نفسه عن النزاع الإيراني- الأمريكي

كتبت الصحافية تشولي كورنيش، في تقرير مطول بصحيفة "فايننشال تايمز"، أن العراق يصارع من أجل تحييد نفسه عن النزاع الإيراني -الأمريكي المتصاعد، ومنع استخدام أراضيه كساحة للقتال بين واشنطن وطهران في ظل التوترات المتزايدة بين البلدين بسبب برنامج طهران النووي ودعمها للوكلاء الأجانب، الأمر الذي يضع الشرق الأوسط على حافة الهاوية.

الجماعات الشيعية شبة العسكرية "لا تريد أن تكون جزءاً من الدولة، وإنما تريد أن تكون الدولة ذاتها"

وتُشير الصحافية إلى أن معضلة العراق تكمن في أن إيران هي أقرب دول الجوار التي يشترك معها في حدود لمسافة 1400 كيلومتر غالبية سكانها من الشيعة. وفي الوقت نفسه تُعد الولايات المتحدة الحليف الأكثر أهمية بالنسبة إلى العراق الذي يستضيف على أراضيه أكثر من 5000 جندي أمريكي، وثمة مخاوف من أنه في حال اندلاع القتال بين إيران والولايات المتحدة فإن العديد من الميليشيات الشيعية التي اكتسبت نفوذاً كبيراً في العراق سوف تشكل تهديداً لأنها موالية لطهران.
    
العراق لن يتحمل حرب جديدة
وتحذر الصحافية من انعدام قدرة الزعماء العراقيين على مواجهة احتمال نشوب حرب جديدة بعد سنوات من الصراع الطويل الذي سبق الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وأطاح بالرئيس العراقي صدام حسين. ويحاول العراق، الدولة الغنية بالنفط، التقاط أنفاسه بعد حملة عسكرية استمرت أربع سنوات لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي بدعم من الولايات المتحدة وإيران.

وينقل تقرير "فايننشال تايمز" عن الرئيس العراقي برهم صالح قوله: "ليس لدينا قدرة على التحمل، وليس لدينا الموارد ولا حتى الرغبة في أن نكون ضحية لنزاع آخر بالوكالة؛ فمن شأن اندلاع أعمال عنف جديدة أن تقود إلى تحطيم آمال البلاد في إعادة بناء مجتمعها، ومن ثم فإنه يجب ألا يُسمح لجيران العراق وحلفائه بتقويض النجاح الذي تحقق بشق الفس، لابد أن يكون العراق أولا، ولا نريد ضياع استقرارنا".

ويلفت التقرير إلى قلق بعض المراقبين من نفوذ الجماعات الشيعية المتشددة المسلحة التي تلقت تدريبات وأسلحة وتمويل من إيران، وعلى الأرجح أنها ستثير الشرارة الأولى لأي صراع. ويُقارن صعود هذه الجماعات في العراق بميليشيات حزب الله في لبنان المدعومة إيرانياً والتي باتت الأكثر نفوذاً في لبنان.

وحدات الحشد الشعبي
وتعتبر الصحافية أن إغلاق واشنطن لقنصليتها في البصرة قبل أشهر ومطالبة موظفيها الدبلوماسيين غير الضرورين بمغادرة بغداد ينطلق من استشعارها للتهديد الذي يتعرض له الأفراد والمنشآت الأمريكية داخل العراق؛ وبخاصة مع التاريخ السابق للقتال بين الجماعات الشيعية العراقية والجنود الأمريكيين في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق.

ويوضح التقرير أنه بعد انهيار الجيش العراقي في 2014 وسيطرة داعش على ثلث البلاد، تمت تعبئة الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا تحت مظلة وحدات التعبئة الشعبية أو الحشد الشعبي. وإلى جانب المتطوعين الذين استجابوا للدعوة الدينية لمحاربة داعش، بلغ عديد وحدات الحشد الشعبي حوالي 100 ألف مقاتل. ونتيجة لدورها البارز في هزيمة داعش في 2014 فقد اكتسبت هذه الوحدات نفوذاً سياسياً جديداً في انتخابات العام الماضي بالعراق، لدرجة أنه تم انتخاب الأشخاص الذين اعتبرهم الدبلوماسيون الأمريكيون "إرهابيين" في منتصف العقد الأول من القرن العشرين، وباتوا أعضاء في البرلمان العراقي.

تهديد الميليشيات الشيعية
ولكن على الرغم من إشادات الكثيرين بنجاح الحشد في منع داعش من الوصول إلى بغداد، إلا أنه منذ 2018 يتم النظر إلى قوتها السياسية والاقتصادية المتصاعدة باعتبارها تحدياً للدولة العراقية الضعيفة. وخلال العام الماضي، وصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً بأنها "تعرض سيادة العراق للخطر".

وبحسب التقرير يرى المسؤولون الأمريكيون أن إيران تستخدم وكلاءها الإقليميين، مثل وحدات الحشد الشعبي، في شن هجمات على الأهداف الأمريكية في العراق خلال الأشهر الماضية بالتزامن مع حوادث التخريب ضد ناقلات النفط والبنية التحتية في الخليج. وحتى مع إنكار إيران لذلك وعدم إعلان أي جماعة مسؤوليتها عن تلك الهجمات البسيطة في العراق التي لم تتسبب في خسائر بشرية، فإن الأمر لايزال يثير القلق من أن تعمد جماعات مارقة (لا تخضع مباشرة لسيطرة إيران) إلى شن هجوم يقود إلى إشعال حريق أوسع حتى من دون صدور أوامر مباشرة من إيران لهذه الجماعات للقيام بذلك. وفي هذه الحالة ستحرص هذه الجماعات على أن يتسبب الهجوم بخسائر من أجل الترويج لنفسها والضغط على الأمريكيين للخروج من العراق.

توسع النفوذ الإيراني
وتلفت الصحافية إلى أن تاريخ ثمانية أعوام من الحرب بين العراق وإيران بين 1980 و1988 قد حلت محله الآن العلاقات التجارية والاجتماعية والدينية النشطة بين البلدين، ويعبر ملايين الحجاج الشيعة البلدين سنوياً. ومن المفارقات أيضاً أن الإطاحة بنظام صدام حسين قد فتحت الطريق أمام طهران لتوسيع نفوذها الإقليمي. ومنذ 2003، هيمنت رموز المعارضة السابقة من الشيعة على الطبقة السياسية في بغداد، علماً أن الكثيرين منهم كانوا لجؤوا إلى إيران في السابق واحتضنتهم جماعاتهم وأحزابهم المسلحة. وحاليًا يشغل قرابة نصف مقاعد البرلمان العراقي سياسيون موالون للميليشيات الشيعية.

ويعتبر صناع السياسية الأمريكيون المتشددون أن إيران جعلت العراق "دولة تابعة" من خلال سيطرتها على الحكومة ورعايتها لوكلائها من الميليشيات الشيعية. وبحسب الصحافية، تتمتع طهران بموقف قوي للغاية داخل العراق، على العكس من الولايات المتحدة التي ليست لديها شعبية كبيرة، ومن ثم فإنه في حال زيادة الضغط الأمريكي وإجبار بغداد على الاختيار بين إيران والولايات المتحدة، يحذر المسؤولون العراقيون من أنه حتى المعتدلين سوف يتمسكون بإيران.

وينوه التقرير إلى أنه على الرغم من أن وحدات الحشد الشعبي تضم جميع الأطياف الدينية في العراق، إلا أن الميليشيات الشيعية تهيمن عليها وتُعد الأكبر وبخاصة لأنها مدعومة من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وقد جعلها رئيس الوزراء العراقي حيدر عبادي جزءاً رسمياً من قوات الأمن العراقية، ولكن منذ هزيمة داعش ف 2017، تمارس ميليشيات الحشد الشعبي عمليات الابتزاز والمضايقات ضد المواطنين وكذلك التهريب.

تحديات داخلية
وباتت وحدات الحشد الشعبي مؤسسة صعبة المراس ولها جماعات سياسية ومصالح اقتصادية متوغلة في المجتمع العراقي. وبحسب مسؤول عراقي رفيع المستوى، فإن الكثيرين من الشيعة يشعرون بالقلق من أنه تحت ستار الحشد الشعبي تقوم العديد من الجماعات الفاسدة بتقويض صلاحيات الحكومة. ويعتقد البعض أن الحكومة العراقية ربما تكون أضعف من مواجهة نفوذ الحشد الشعبي، حيث يقول هشام الهاشمي، مستشار الحكومة لمكافحة الإرهاب أن الجماعات الشيعية شبة العسكرية "لا تريد أن تكون جزءاً من الدولة، وإنما تريد أن تكون الدولة ذاتها".

ويختتم التقرير أن العراق يطمح إلى التركيز على المشكلات الداخلية، فعلى سبيل المثال يحتاج سكان العراق الذين يتزايد عددهم بسرعة إلى 12 ألف مدرسة جديدة، فضلاً عن تحويل العراق إلى مركز إقليمي للتعاون والتكامل الاقتصادي بدلاً من أن تكون أراضيه ساحة قتال للآخرين. وعلى الرغم من اعتقاد المشرعين العراقيين المخضرمين أن طهران وواشنطن ليست لديهما النية في بدء الحرب، إلا أن الحرب، كما يقول هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي السابق، "لا تحدث في بعض الأحيان عمداً ولكن عن طريق الخطأ".