أذرع إيران تسيطر على مراكز صنع القرار في العراق (أرشيف)
أذرع إيران تسيطر على مراكز صنع القرار في العراق (أرشيف)
الإثنين 19 أغسطس 2019 / 16:01

طهران تزرع أذرعها الخبيثة في العراق

24. إعداد: شادية سرحان

لم يكتف نظام الملالي بوصول شخصيات مقربة منه إلى سدة الحكم في العراق، بل دفع بشخصيات موالية له في صلب المؤسسة العسكرية العراقية، لضمان ولائها بشكل ثابت، ضمن خطة لقائد فيلق القدس في ميليشيات الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، للقضاء على الجيش العراقي.

وأثار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي استياء واسعاً لدى أوساط شعبية وسياسية بعزمه تعيين قيادي في منظمة بدر الموالية لإيران في منصب سكرتيره العسكري، وإقالة السكرتير الحالي الفريق الركن محمد البياتي.

وقبل أيام، أعلن عبد المهدي تعيين القيادي في منظمة بدر زياد التميمي، مفتشاً عاماً في وزارة الدفاع، رغم عدم امتلاكه رتبة عسكرية، أو شهادة تؤهله لتسلم المنصب، مما أثار استغراب المراقبين.

وبحسب مصدر مقرب من رئيس الوزراء فإن الأخير "يعتزم بالفعل تعيين أبو منتظر الحسيني، المقرّب من الحرس الثوري الإيراني والذي سبق له أن تدرّب في صفوفه، والذي يتولى حالياً قيادة عمليات ميليشيا الحشد الشعبي، لشغل منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، خلفاً للفريق الحالي محمد البياتي".

وبحسب المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أن "هذا التعيين يأتي ضمن سلسلة تعيينات فرضتها جهات مقربة من إيران، بدأت بتعيين أبو جهاد الهاشمي القيادي في المجلس الأعلى، بمنصب مدير مكتب رئيس الوزراء، ثم تعيين زياد التميمي، مفتشاً عاماً في وزارة الدفاع، ليأتي تعيين أبو منتظر الحسيني ضمن هذا السياق".

ودفعت إيران بأسماء عدد من شخصيات الظل التابعة لها للواجهة لتسلم أدوارها في إدارة الملفات الحساسة في الحكومة العراقية كالملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وذلك ضمن خطة سليماني الجديدة لإعادة ترتيب أوراق النفوذ الإيراني في العراق، خصوصاً في ظل الضغوطات التي تتعرض لها إيران ومليشياتها في العراق من قبل الولايات المتحدة والتحالف الدولي، حيث تخشى طهران أن يخرج العراق من تحت سيطرتها.

ولعل الجيش العراقي المقرب من الولايات المتحدة الأمريكية الذي أثبت خلال السنوات القليلة الماضية دوره الفعال في محاربة الإرهاب وعدم الانخراط في المشاكل الطائفية، أصبح الهدف الأبرز والعائق أمام تحركات الحرس الثوري وميليشياته، لذلك حرك سليماني أتباعه لنيل مناصب قيادية عليا في الجيش العراقي ليكون الجيش خاضعاً لسيطرته في إطار مشروع القضاء على هذا الجيش واستبداله بمليشيات الحشد الشعبي.



من هو أبو منتظر الحسيني؟

وبحسب وسائل إخبارية عراقية، فإنّ "أبو منتظر الحسيني" المرشّح الجديد لمنصب السكرتير العسكري واسمه الحقيقي "تحسين عبد مطر العبودي" يشغل منصب قائد عمليات فيلق بدر (الجناح العسكري للمعارضة العراقية الشيعية في إيران)، وأنّه سيخلف في السكرتارية الفريق الركن محمد البياتي وهو ضابط ذو خبرة وكفاءة وارتقى في الرتب العسكرية بحسب القانون، بينما الحسيني هو من "ضبّاط الدمج" أي المقاتلين غير النظاميين الذين حارب جلّهم إلى جانب إيران في حرب الثماني سنوات وتم إدماجهم في القوات المسلّحة لدى عودتهم بعد سقوط نظام حزب البعث.

ورغم عدم ظهور الحسيني على الواجهة خلال السنوات الماضية، إلا أنه كان إحدى الشخصيات الميليشياوية التي تسعى لترسيخ النفوذ الإيراني على الملفات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية في العراق عبر دوره كقيادي في ميلشيات فيلق بدر.

ومنذ عهد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، بات الحسيني يظهر في الواجهة، وبرز دوره بشكل أكبر مع تسلم عبد المهدي الحكومة في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2018 الماضي، حيث كان توليه ومجموعة من قادة الحشد المناصب العليا في الحكومة العراقية شرطاً إيرانياً على عادل عبد المهدي مقابل حصوله على منصب رئيس الوزراء.

وولد "تحسين عبد مطر العبودي"، وهو اسمه الإيراني، في بغداد عام 1961، وعمل ضابطاً برتبة ملازم في الجيش العراقي خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن المنصرم، قبل أن يؤسر من قبل القوات الإيرانية عام 1987، وبعد أسره جنده الحرس الثوري في صفوف فيلق بدر.

وتلقى تحسين الحسيني ، الذي يأتي في مقدمة أحد أبرز عملاء "فيلق القدس" في العراق، العديد من الدورات الخاصة بتنفيذ العمليات الإرهابية ومن ضمنها تنفيذ الاغتيالات والتفجيرات من قبل الحرس الثوري.

ويعتبر الحسيني أحد عمداء الحرس الثوري من العراقيين الذين ما زالوا يخدمون في صفوف فيلق القدس، وكانت تربطه علاقات قوية مع العميد حميد تقوي أحد قيادات الحرس الثوري الإيراني الذي قتل في سامراء شمال بغداد في المعارك بين الميليشيات وتنظيم داعش عام 2014.
وبعد عودته إلى العراق عام 2003 إبان سقوط نظام حزب البعث، حصل الحسيني على رتبة عسكرية عالية من الحكومة العراقية وفقاً لمبدأ الدمج في القوات المسلحة العراقية.

وكلف أحد معسكرات الحرس الثوري المختصة بالشأن العراقي (معسكر رمضان)، الحسيني خلال السنوات الأولى من عودته إلى العراق بمهام مخابراتية من خلال إسناد منصب قيادة الجهاز المركزي في ميليشيا بدر والمجلس الأعلى في العراق أحد أفرع الاطلاعات الإيرانية المختص بمراقبة الشؤون المتعلقة بالعمليات والاستخبارات في العراق، إضافة إلى العمل لتنفيذ الخطة الإيرانية بإشعال حرب طائفية لإضعاف النظام السياسي الجديد في العراق لصالح نظام ولاية الفقيه الإيراني، واستنساخ التجربة الإيرانية في العراق كجزء من المشروع التوسعي الإيراني للسيطرة على العراق والشرق الأوسط، وقد تمكن الحسيني وبدعم من الحرس الثوري من دخول مجلس النواب العراقي بعد فوزه في الانتخابات التشريعية ضمن كتلة بدر عام 2005.

وبعد سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على مدينة الموصل، وتشكيل مليشيات الحشد الشعبي بفتوى من المرجع الشيعي علي السيستاني وبأوامر مباشرة من سليماني، تولى الحسيني قيادة العمليات في الميليشيات نظراً لقربه من سليماني وتمتعه بعلاقات قوية مع السفير الإيراني الحالي في بغداد إيرج مسجدي الذي كان حينها المساعد الأول لسليماني في العراق.

واتخذ الحسيني من الحرب ضد داعش فرصة لتنفيذ مهامه الجديدة التي كلف بها من قبل إيران التي تمثلت بتنفيذ عمليات إبادة جماعية في صفوف المدنيين العراقيين بحجة محاربة داعش في محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار ومناطق حزام بغداد، خصوصاً في مدينة جرف الصخر التي نفذت فيها المليشيات الإيرانية مجازر عديدة.



من وراء الكواليس
وتفسّر سيطرة ميليشيا بدر من وراء الكواليس على حكومة عادل عبد المهدي سلسلة قراراته التي تصبّ في المصلحة الإيرانية، بما في ذلك رفضه الشديد للالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران، رغم أنّ واشنطن منحته الوقت الكافي للبحث عن مصادر جديدة للطاقة الكهربائية التي يستوردها من إيران وللغاز الذي يُستخدم في توليدها.

واعتمد عبد المهدي، كذلك، أسلوب المراوغة لتفادي مطالبات داخلية وخارجية أيضاً بضبط سلاح ميليشيات الحشد الشعبي وإخضاع فصائله لإمرة القيادة العامّة للقوات المسلّحة، فأصدر أمراً ديوانياً فضفاضاً وخالياً من التفاصيل والإجراءات العملية قضى بإلحاق ميليشيات الحشد بصفوف القوات النظامية، دون أن يتم تطبيق ذلك الأمر من قبل أيّ من تلك الميليشيات.

شبح الانقلابات
ويرى المحلل السياسي وائل الركابي، أن "قرارات رئيس الوزراء العراقي الأخيرة المتعلقة بتعيين شخصيات مقربة من طهران في جسد الدولة العراقية، لا يمكن فهمها على وجه الدقة، فعلى الرغم من التحليلات الكثيرة، إلا أن شيئاً وراء تلك التعيينات، فمن غير المعقول أن يقدم رئيس وزراء على استقدام شخصيات ميليشياوية، ومشبوهة، ووضعها في سدة القرار العراقي، فهذا من شأنه ليس إضعاف الدولة فحسب، بل تقديم مصلحة الغير مصلحة البلاد".

وأضاف الركابي في تصريحات له، أن "المعلومات المتوافرة تؤكد وجود اتفاق سري بين عبد المهدي، وأطراف في الحشد الشعبي، خاصة منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، تتعلق بالأمر الديواني الأخير وهيكلة الحشد، إذ فرضت بعض تلك الأطراف شروطها بشأن الاستجابة للأمر الديواني، والرضوخ لأوامر رئيس الوزراء، وكان من ضمن الشروط ما يتعلق بتعيين شخصيات مقربة من الحشد وإيران داخل المؤسسة الأمنية العراقية".

ويضيف أن "أطرافاً في الحشد الشعبي ترى في المؤسسة العسكرية العراقية الرسمية، خطراً لا يمكن الأمان بوجوده، وشبح الانقلابات تسيطر بشكل دائم على قادة الفصائل والمليشيات، لذلك هم يدعمون الحشد الشعبي الذي تشكل من قواتهم على حساب الجيش الذي ينحاز إلى المواطنين في حال حصول أي شيء".

ويجد الإشارة، هنا، إلى أن ميليشيات الحشد الشعبي تعد أحد الأذرع الإيرانية التي تشكلت بذريعة مواجهة تنظيم "داعش" الذي سيطر على أجزاء واسعة من البلاد قبل سنوات، من بينها مدينة الموصل عقب انسحاب مريب للجيش العراقي أمامه. وعقب دحر التنظيم الإرهابي، سارعت الميليشيات إلى تشكيل قوائم انتخابية وأصبح لها حضور قوي داخل البرلمان، لتمتد الأيادي الإيرانية إلى الجهاز التشريعي العراقي خدمة لمصالح البلد الذي اعتمد على العصابات في توسيع نفوذه الإقليمي.



سنة أولى "مخيبة للآمال"

وفي سياق متصل، بدأ يتضح للعراقيين قبل انقضاء السنة الأولى من ولاية رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي، حالة الضعف الشديدة التي تميّزه وانعدام قدرته على ممانعة ضغوط قوى نافذة ساعدته على الوصول إلى المنصب في ظلّ افتقاره إلى أي سند حزبي له، لكنّها بدأت تتدرّج من مجرّد مشاركته سلطة اتخاذ القرار وتوجيه السياسات، نحو ممارسة الحكم من خلاله ليصبح مجرّد واجهة لدولة عميقة منطوية في الكواليس بعيداً عن الأضواء.

وبات عبد المهدي في وضع لا يحسد عليه، فهناك أنباء عن تحركات ومساع برلمانية لاستجوابه في ظل التلكؤ الحكومي وسنة أولى وصفت بـ "المخيبة للآمال" وعودة المحاصصة وعدم التحرك على محاربة الفساد، والإخفاق في التعامل مع إقليم كردستان، عوامل يمكن أن تعجل من رحيله سيما بعد أن وجه زعيم التيار الصدري أمس الجمعة رسالة إلى رئيس الوزراء وإن وصفها بـ "الأخوية"، لكنها حملت تحذيراً مبطناً من الاستمرار بهذا المنحى.

وبعد ساعات على رسالة مقتدى الصدر إلى رئيس مجلس الوزراء، علت أصوات بضرورة استضافة رئيس مجلس الوزراء خلال جلسة طارئة للبرلمان، بدأها رئيس تحالف سائرون في ديالى برهان المعموري، مطالباً رئاسة مجلس النواب بـ"القيام بواجبها الوطني والدعوة إلى عقد جلسة طارئة يستضاف فيها رئيس مجلس الوزراء لكشف المقصرين أمام الرأي العام ومحاسبتهم".

وترى أوساط عراقية أن ارتماء عبد المهدي في أحضان الجهات الموالية لإيران، تسبب بتململ واضح لدى بعض الأطراف في الداخل، خاصة تلك التي ترى أهمية استقلالية القرار العراقي عن الخارج، وتعزيز دور المستقلين في وزارات الدفاع والداخلية، مثل التيار الصدري، وتيار الحكمة المعارض بزعامة عمار الحكيم.

ويرى الصحافي العراقي حسين دلي، أن "صعود قيادات في منظمة بدر في أعلى الدرجات الخاصة في حكومة عبدالمهدي يقلق الأحزاب الشيعية المنافسة"، معتبراً ذلك "قد يكون السبب الرئيس وراء تحرك الصدريين الأخير بشأن مراقبة حكومة عادل عبدالمهدي وتهديده بمظاهرات الشارع".

وقال الصحافي أحمد عرب إن "تعيين أبو منتظر الحسيني مستشاراً عسكراً للقائد العام للقوات المسلحة، يعد مؤامرة على الجيش العراقي والمؤسسة العسكرية، لصالح فصائل الحشد المسلح".



رفض التمدد الإيراني

وفي تقرير خاص حول "التمدد الإيراني في العراق أدواته و أهدافه"، قالت مؤسسة "الاتحاد الدولي للإعلاميين العرب"، إن "من يتابع الوضع السياسي في العراق من 15 عاماً، يرى بكل وضوح البصمات الفارسية واضحة وطاغية على القرار السياسي في العراق الذي يصب دائماً لمصلحة المشروع الفارسي التوسعي كما ويشاهد بكل وضوح استماتت الأحزاب الفارسية بالدفاع عن إيران ومشروعها التوسعي الهادف لابتلاع العراق وضمه تحت الحكم الفارسي".

وتعتبر إيران معنية بالدرجة الأولى بالحفاظ على الميليشيات الشيعية في العراق التي ساهمت أصلاً في تشكيلها وتسليحها وتساهم عمليا في قيادتها، وتجعل منها جيشاً رديفاً في العراق يسهر على تأمين نفوذها، وقد يستخدم أيضاً في صراع بالوكالة ضدّ الولايات المتّحدة في حال تطوّرت حالة التصعيد القائمة حالياً إلى صدام مسلّح.

وأكد مراقبون، أن خروج الشعب العراقي في مظاهرات حاشدة ضد وزير النفط الإيراني، ما هو إلا دليل أولي قاطع بأن الشعب العراقي يرفض الوجود الإيراني على أرضه.

كما يرفض الأحزاب والحركات الطائفية التي تدير السياسة العراقية والموالية لإيران فكرياً وسياسياً، وهذا يعني ببساطة أن التمدد الإيراني في العراق بدأ يواجه أزمة وجود وأنه لن يستمر طويلاً.

ويرى مراقبون، أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تغييراً في العملية السياسية داخل العراق، مع عودة مجلس النواب من عطلته التشريعية، خاصة وأن المرجعية الدينية صعدت من خطابها في الجمعة الماضية وطالبت بإجراءت واضحة.