جنديان إسرائيليان في القدس (أرشيف)
جنديان إسرائيليان في القدس (أرشيف)
الإثنين 19 أغسطس 2019 / 20:19

فتوى الجهاد الحمساوي: حلال في الضفة... حرام في غزة!

في نظر الكثيرين من العرب والمسلمين، تبدو حركة حماس قائدة لمشروع المقاومة في فلسطين، بل يذهب البعض إلى الاعتقاد في تفردها بالفعل المقاوم واحتكارها لشرف التصدي للعدو الغريب واحتلاله الجاثم على الأرض الفلسطينية.

الفتوى تحرم المقاومين الذين يقضون في العمليات الفردية من الشهادة وتتهمهم بسوء القصد

هناك أيضاً من يعتبر حركة فتح تشكيلاً تسووياً خارجاً عن النص الثوري، ومتورطاً في التآمر على الحق التاريخي للفلسطينيين في أرضهم.

لحظت ذلك في أكثر من مناسبة، خلال مشاركاتي في ندوات وجلسات حوارية خاصة بالقضية الفلسطينية، ولا أزال أذكر كيف هاجمني قبل أكثر من عام عدد من الشباب المصري المتحمس خلال ندوة في القاهرة تشرفت بالمشاركة فيها بمعية المفكر الفلسطيني الراحل سلامة كيلة.

يومها تبينت كم نجحت منابر الإعلام الإخواني في تقديم حماس بهذه الصورة المزوقة بالوهم، وفوجئت بقناعة عدد من الحضور بوجود تناقض بين سلطتي حكم الأمر الواقع في رام الله وغزة.

بينما واقع الأمر يؤكد أن السلطتين المتنافستين تنخرطان في مشروع واحد يقوم على التنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة والتهدئة الأمنية مع الاحتلال على حدود غزة.

هناك فرق جوهري بين السلطتين لا يُدركه إلا الضالعون في الشأن الفلسطيني. سلطة رام الله تحمل اسم فتح، لكنها لا تمثل الحركة بل مجموعة من المقربين إلى الرئيس، بينما سلطة غزة تمثل حركة حماس فكراً وممارسة، وتلتزم بأعلى درجات الانضباط الحركي والانسجام المطلق مع مرجعية الحركة وتنظيمها الإخواني الدولي.

ومن لا يصدق ذلك يستطيع تبين الواقع في وجع الأعداد الكبيرة من الفتحاويين الذين تم إقصاؤهم من أطر الحركة، بل وقطع رواتبهم أيضاً، بينما يتسيد الحمساويون المشهد الغزي بكل تفاصيله.

ورغم ذلك، تصر حماس وأنصارها على الحديث باسم ما يسمونه محور المقاومة، ولا أحد يسألهم عن التهدئة، أو الفتاوى المريبة التي كان آخرها ما صدر عن "اللجنة الشرعية" في شأن تحريم العمليات الفردية ضد الاحتلال، وتجريم منفذيها بحجج ومبررات واهية بل تكاد تكون مُضحكة حين تشير إلى وجوب طاعة أولي الأمر، أي قيادة حماس بشقيها السياسي والعسكري.

تذهب الفتوى الحمساوية إلى أبعد من ذلك حين تُخون الشباب المبادرين إلى مواجهة العدو، وتتهمهم بالعمل لصالح الاحتلال والعمالة للعدو من خلال نصها على افتراض أن يكون المقاوم الفردي "مدفوعاً مِن قِبلِ جهةٍ مُعيَّنةٍ لها مآربُ كيديّةٌ، لا يبعُد أن يكونَ الاحتلالُ وأذنابُه خلفَها، فهذا لا شك في عظيمِ إثمِه، وشديدِ جُرمِه، وخطرِ فعله علَى المجتمعِ، ومقدّراتِ المجاهدين، وإن قُتلَ في المعركةِ فلا يُعدُّ شهيداً لسُوء قصدِه، أو لتقصيرِه فِي التّثبّتِ والتبيّنِ من الجهةِ الدّافعةِ له، والعياذُ بالله".

الفتوى تحرم المقاومين الذين يقضون في العمليات الفردية من الشهادة وتتهمهم بسوء القصد، وفي الفتوى أيضاً الكثير مما يثير الجدل ويفجر الأسئلة الصعبة بشأن التناقض بين الخطاب العلني لحماس، والتوجيه الداخلي لكوادرها وأعضائها، خاصةً أن هذه الفتوى المريبة صدرت بعد استشهاد ثلاثة من الشباب في اشتباك مع قوات الاحتلال قرب السياج الفاصل بين القطاع وبلدات غلاف غزة.

كان واضحاً أن هذا الاشتباك أحرج وأزعج حماس في غزة، لذلك بادرت لجنتها الشرعية إلى إصدار الفتوى التي تبدو أكثر إلزاماً حتى من القرار الحركي المركزي.

لكن اللجنة صاحبة الفتوى كانت صامتة طيلة السنوات الماضية التي شهدت فيها الضفة عمليات، ومبادرات فردية لمواجهة الاحتلال، وشكلت هذه العمليات أسلوباً نضالياً اكتسب تعاطفاً شعبياً وقوة حقيقية في مواجهة إجراءات الاحتلال في القدس، والخليل، ونابلس وغيرها من المحافظات الشمالية، وكانت حركة حماس تشيد بهذه العمليات وتصدر البيانات المحرضة على تكرارها وتؤبن الشهداء الذين ارتقوا فيها.

يعني ذلك، ومن وجهة النظر الحمساوية أن العمليات الفردية حلال في الضفة وحرام في غزة... وذلك من باب الاجتهاد في التفسير، والله أعلم.