الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي (أرشيف)
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي (أرشيف)
الثلاثاء 20 أغسطس 2019 / 20:41

بناءُ الإنسان... في مصر

"إنهم يصنعون الحياة- بناءُ الإنسان في الإمارات"، كان هذا عنوانَ كتابي قبل الأخير رقم 27 الصادر عن دار "روافد" بالقاهرة في 2018، وتشرف كتابي ذاك بمقدمة قيمة بقلم الشيخ المثقف عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي.

أيتها الإمارات الشقيقة، ها هي شقيقتُك الكبرى مصر تبدأ رحلة النور والرجاء من جديد بعد كبوتها التي ألمّت بها بسبب غول الإخوان وأشباههم. فاسعدي لها وتمني لها الخير

بدأت إرهاصاتُ ذلك الكتاب في رأسي عام 2012، حينما بدأنا ننتبه إلى أن لصوص الإخوان بدأوا يزحفون حثيثاً من أجل سرقة مصر.

وبدأت في وضع لبناتِ الكتاب على مدار الأعوام السبعة التالية. ثم عكفت على تجميع شتاته ومراجعته وتحرير بروفاته النهائية منذ مارس (آذار) 2016، وحتى أكتوبر(تشرين الأول) من نفس العام، وهي فترة الشهور السبعة التي قضيتُها في الإمارات، حتى يتسنى لي المعايشة المباشرة عن كثب لتلك التجربة العربية الفريدة التي استلهمت النهج المتحضر الذي أسسه الشيخ زايد قبل حوالي نصف قرن، وسار على ذلك الصراط أبناؤه وآله وشعبه، حتى نجحوا بالفعل في "بناء الإنسان" ثقافياً وحضارياً وفكرياً وعلمياً ومجتمعياً على نحو راق، جعل من "كوكب الإمارات"، كما يروق لي أن أسميها، نموذجاً حضارياً جميلاً، يُنظر إليه بكثير من الاحترام والغبطة والرغبة في المحاكاة، من قِبل سائر الدول العربية، بل ودول العالم الأول كذلك.

في صفحة الإهداء من ذاك الكتاب قلتُ: "إهداء، إلى مصر. أحلمُ أن أراكِ يوماً، كما يليقُ بكِ أن تكوني. إليكِ يا مصرُ خارطةُ الطريق في هذا الكتاب الصغير، عن دولة شيدت مجدها بالحب. فانهضي يا حبيبتي من كبوتك… واستعيدي بالحب مجدكِ المهدور. فاطمة ناعوت".

ولأن كثيراً من فصول ذلك الكتاب خططتُها أيام حكم الإخوان التعيس لمصر، فقد كان مدادُ القلم حزيناً وهو يكتب. وأعترف الآن، أنني كتبتُ تلك الصفحات والفصول وقلبي مشطورٌ شطرين. شطرٌ من القلب كان فرحاً وفخوراً بالتجربة الإماراتية الرائدة في "بناء إنسان متحضر"، وشطرٌ من القلب كان مفطوراً بالوجد لما آلت إليه مصرُ من سيولة سياسية، وطائفية، وفوضى، وانسحاق، وضياع في عهد إخوان الشيطان.

عينٌ كانت تكتبُ وهي ترمقُ دولة الإمارات بإعجاب وفرح، وعينٌ كانت مع الحروف تدمع على مصر العظيمة، وتتساءلُ: هل انتهى بمصرَ الحالُ أن يتولى شأنها بشرٌ لا يؤمنون بقيمة الوطن ويقولون: "ما الوطنُ إلا حفنة من التراب العفِن؟!" مستحيل! لهذا كان ذلك الإهداء الحزين في صدر الكتاب على ذلك النحو شبه اليائس شبه الآمل.

فصول الكتاب الأخيرة كتبتها بقلمين. قلمٍ يتأمل عبقرية دولة حديثة احترمتِ الإنسان وحقه الكامل في الحياة، والتعليم الممتاز، والعبادة، والأمان، وعدم المساس بخصوصيته العقَدية، فشيدت المساجد، والكنائس، والمعابد البوذية، والهندوسية، وليس من جندي واحد يقف على أبواب دور العبادة تلك، لأن دور العبادة أصلاً غير مهددة.

وقلمٍ حزين ينظر إلى مصر وكيف يعتلي منابرها متطرفون تكفيريون فنضطر إلى وضع جندي حراسة على باب كل كنيسة، ومعبد يهودي حتى يحرسها من غول الغُلاة.

قلمٍ يكتب عن خبراء التعليم الذين هذبوا مناهج التعليم في دولة الإمارات وطهروها من العنف والطائفية، وقلمٍ باكٍ حزين يبكي مناهج مصرية لم تتخلص بعدُ من العنف والطائفية. ولكن في نهاية كل فصل، كنت أضع الرجاء، بأن يوماً قريبًا سوف تثب مصر نحو النور، ونبدأ في صياغة العقل المصري من جديد، بعدما نتخلص من وجه الإرهاب القبيح الذي يُفسد النهضة والتنمية.

لهذا قال الشيخ عبد الله بن زايد في مقدمته لكتابي:
"في كتابها الجميل، تحدثت فاطمة ناعوت عن التسامح في دولة الإمارات، وقالت إن السبب وراء ذلك كلمتان سحريتان: "التعليم، وتطبيق القانون". وأقول لها إنه لا يوجد خيار آخر للبشرية سوى التسامح. فغيابه يعني الدمار الشامل. ويكفي أن ينظر أحدُنا حوله ليرى كيف انهارت دولٌ، وشُردت شعوبٌ، وأُبيدت جماعاتٌ وحضاراتٌ، فقط لغياب التسامح. فعندما يعتقد شخصٌ ما، أنه هو وحدَه من سيدخل الجنة، وهو وحده من يحظى برحمة الله، وهو فقط من يستحقُ الحياة، فإنه يتحول إلى وحشٍ بائس، يقتاتُ على مآسي الآخرين، فيقتل الأطفالَ، ويُفجر دورَ العبادة، ويدعس بظلاميته على كل ما هو إنساني".

ويبدو أن الله قد سمع رجاء قلبي في إهداء الكتاب. بالأمس في "عيد العلم"، سمعتُ من الرئيس عبد الفتاح السيسي ما يشي بأننا بدأنا رحلة "بناء الإنسان المصري". وعلى الله السبيل، وحسن المقصد.

قال الرئيس إن مصر الجديدة تولي أهمية قصوى لبناء الإنسان المصري علمياً، وصحياً، وثقافياً، ولذلك كان عام 2019 هو عام التعليم في مصر. إيماناً منا بأن العلم، والتعليم هما أساس النهوض بالمجتمع والعمل على تنميته.

وقال إن الدولة المصرية تستهدفُ تنشئة العقل المفكر المستنير، المستعد لقبول العلم والمعرفة ويتحلى بمهارات الفهم والتحليل والتطبيق.

 وقال إن مصر تسعى اليوم للنهوض بالتعليم على النحو اللائق الذي من شأنه أن يسهم في تخريج أجيال قادرة على الإبداع والمنافسة. وأنا أقول وراءه: "آمين. وجميعنا جنود في معركة النهوض الراهنة أيها الرئيس".

أيتها الإمارات الشقيقة، ها هي شقيقتُك الكبرى مصر تبدأ رحلة النور والرجاء من جديد بعد كبوتها التي ألمت بها بسبب غول الإخوان وأشباههم. فاسعدي لها وتمني لها الخير، وظلي جميلةً، وبهيةً، وفتيةً، ومُلهمةً للعالمين.