الكاتب والأديب والشاعر الإماراتي الراحل الحبيب الصايغ (أرشيف)
الكاتب والأديب والشاعر الإماراتي الراحل الحبيب الصايغ (أرشيف)
الثلاثاء 20 أغسطس 2019 / 19:56

حبيب الصايغ.. رحيل الذي سمى الردى ولده

24 - الشيماء خالد

سمى الردى ولده، في أحد أبرز قصائده، كان الشاعر والكاتب الإماراتي حبيب الصايغ يُفكك الموت والمضارب الوجدانية والفكرية التي مر بها وشغلته، ووقف منه موقف الند بالند، وتعامل معه في الحين ذاته برقة وسحر، متأملاً قبل زمن في رحيله، الذي فجع اليوم قراءه ومحبيه والمشهد الثقافي، ليس في الإمارات وحدها، بل في كل الدول العربية من الخليج إلى المحيط.

وبعد أن وافته المنية اليوم، بدا أن لمكابدة الصايغ ومواجهته للرحيل استمرت حتى النهاية، وهو الذي أمضى آخر مقالاته على أعمدة صحيفة الخليج، بعنوان "من أول ساعة غياب".

وما أن انتشر خبر رحيله اليوم، حتى اهتزت الأوساط الفكرية والثقافية، وانهمرت رسائل المحبة والتقدير، مشددة على قيمة بصمة ندر أن تتكر، لرجل استطاع أن يكون رمزاً أدبياً وإعلامياً، وقامة ثقافية، ممثلاً بلاده التي عشقها أحسن تمثيل، وبنشاط محموم لا يصدق، وبهيام من نوع خاص وهو من قال في قصيدته سالفة الذكر "هذا دعائي فخذه معك.. واكتشفني أكن مطلعك.. واختبرني بحكمتك النابغة.. أكن لك ضوء البراهين في الأعين الفارغة".

كل من عرف حبيب الصايغ يذكر أنه كان لا يتوقف عن الحركة والعمل والإنجاز، سواءً الأدبي أو المهني، وحاضراً بقوة في النقاشات، والمعارض، والمؤتمرات، والمحافل الإعلامية والثقافية الكبرى، وحتى في سنواته الأخيرة حين اشتد به المرض كان دائم الانشغال بالأدب والحياة والقضايا الكبرى، ورفض مرات عدة البقاء في المستشفى لمتابعة حالته، إذ كانت جذوة الروح المحلقة فيه لا تخبو حتى في أحلك الأوقات.

والصايغ رجل يصعب إيفاؤه حقه في المنجز الذي تركه، لغزارته، ويعد ضرباً من الانتقاص السعي لحصر آفاق رؤاه وإبداعه، لتفرده، إذ تحمل مسؤوليات لا تعد ولا تحصى، بين دعمه للشباب ومحاولته الدؤوبة خلق جيل مبدع في الإعلام، والتشكيل، والأدب، وبين إخلاصه الكبير للقضية الفلسطينية، ووطنيته المثيرة للإعجاب، وسعيه الدائم للإنجاز، لا على المستوى الشخصي فقط، بل أبعد من ذلك بكثير.

لمع اسم الصايغ منذ شبابه، وعرف بروحه الثائرة، ومغامراته الكثيرة، ويذكر له جيل الثمانينات تأسيس مجلة "أوراق"، التي أثارت جدلاً ونقاشاً نقدياً واسعاً، وبقي الصايغ حتى بعد انتقاله من مرحلة لأخرى يحمل في قلبه أوراقه المحلقة، كدأب روحه التي تميز بها.

ولد حبيب يوسف عبد الله الصايغ، بأبوظبي في 1955، وحصل على إجازة في الفلسفة في 1977 وعلى الماجستير في اللغويات الإنجليزية العربية والترجمة في 1998 من جامعة لندن ، وعمل في مجالي الصحافة والثقافة وترأس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج".

وهو الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ورئيس حرير مجلة "الكاتب العربي" منذ 2015، وشغل مناصب أخرى عدة، منها مدير عام مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، وكان رئيس اللجنة الوطنية للصحافة الأخلاقية في الإمارات، ورئيس الهيئة الإدارية لمسرح أبوظبي، ورئيس الهيئة الإدارية لبيت الشعر في أبوظبي، وساهم في صحافة الإمارات بما يصعب حصره، وحرر أول صفحة تُعني بالأقلام الواعدة في الصحافة الإماراتية، "صحيفة الاتحاد – نادي القلم" في 1978، وأسس أول ملحق ثقافي بالإمارات "الفجر الثقافي" في 1980.

علامة
نشر الصايغ إنتاجه عربياً في وقت مبكر، وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات العربية والعالمية، وتُرجمت قصائده إلى الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والإسبانية، والصينية.

وله إصدارات عديدة منها، "هنا بار بني عبس الدعوة عامة" 1980، و"التصريح الأخير للناطق باسم نفسه" 1981، و"قصائد إلى بيروت" 1982، "ميارى" 1983، "الملامح" 1986، "قصائد على بحر البحر" 1993، "وردة الكهولة" 1995، "غد" 1995، و"رسم بياني لأسراب الزرافات" 2011، و"كسر في الوزن" 2011، "والأعمال الشعرية الكاملة" الجزء1 والجزء2، في 2012.

وشكل الصايغ علامة فارقة في الشعر الإماراتي، إضافةً إلى كتاباته النثرية المتنوعة، وله منجز بحثي وتراثي مرموق.

فراشات تهفهف عند شغاف الموت

وبالعودة للنهايات، قال الصايغ: "وحيداً، بعيداً أنير دجى معبدي.. وأعالج ضعف يدي بيدي.. وأسمي الردى ولدي".

وقال: "كفى يا تواضع.. لن أتواضع أكثر في موتنا والحياة
ففي العين نبض وبين الشفاه بكاء
ومن رمق صاعد نحو مملكة الله
نسكب في الازدحام حقيقته ونسوق التعب
قوافل من منبع الموت حتى المصب
كفى يا تواضع هذا الشغب".

وكتب الأديب الإماراتي علي أبو الريش عنه، فقال: "ترجل حبيب القصيدة، صائغ المشهد.. حبيب الصايغ، وحده ولا غيره الذي منح القصيدة شغف الموجة، ولهفة الصحراء للمطر، وحده فقط، أمسك بخيط الوجود، منبعثاً من ثنايا قلقه الجميل، وأحلامه، فراشات تهفهف عند شغاف الموت".

حبيب الصايغ، بدا في أعين محبيه ومن عرفه عن قرب، راغباً على الدوام في بسط أجنحته نحو السماء، ليرحل وأوراقه المحلقة إلى ما بعدها أخيراً، أين يهزم الموت خلود الإبداع.