مدرعات عسكرية تركية في جنوب إدلب (أرشيف)
مدرعات عسكرية تركية في جنوب إدلب (أرشيف)
الثلاثاء 20 أغسطس 2019 / 23:38

تركيا على خط النار في إدلب .. هل حانت ساعة المواجهة مع دمشق؟

24. إعداد: شادية سرحان

بعد 4 أشهر من معارك كسر عظم، تقدمت أخيراً قوات الحكومة السورية وحلفائها في مدينة خان شيخون المدينة الأكبر في ريف إدلب والمطلة على الطرق الدولية، تحت غطاء جوي روسي في المعارك ضد الفصائل المعارضة داخل منطقة "خفض التصعيد" التي نص عليها اتفاق سوتشي، بين روسيا وتركيا، في حين لم تتورع روسيا عن قصف رتلٍ عسكري تركي دخل المنطقة لمحاولة مساعدة الفصائل المسلحة الموالية لأنقرة.

ودخلت تركيا مباشرة المواجهات الدائرة في إدلب، ويبدو أنها لم تتوقع أن تجد نفسها في مأزق حقيقي في الشمال السوري، بعد أن وجدت القوات التركية نفسها في وضع لا تحسد عليه، بين قصف سوري وروسي مكثف لم يستثن أي قوة معادية على الأرض، وصولاً إلى محاصرة القوات التركية نفسها.

التطورات الميدانية
وتحمل التطورات الميدانية، في شمال سوريا، بالقرب من الحدود الجنوبية لتركيا، الكثير من الدلالات السياسية، حول طبيعة الصراع المشتعل في "شرق الفرات"، أين سيطرت قوات الأسد، أمس الاثنين،  على ما يقرب من نصف مدينة خان شيخون، وانسحبت منها ميليشيات موالية لتركيا، وأصبحت نقطة المراقبة التركية في قرية مورك بريف حلب، تحت حصار كامل.

وفي آخر التطورات، وسعت القوات الحكومية السورية والمجموعات الموالية لها سيطرتها في ريف إدلب وحماة الشمالي، وسيطرت بشكل كامل اليوم الثلاثاء على مدينة خان شيخون، أبرز مدن ريف إدلب.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، إن "الميليشيات الموالية لتركيا انسحبت من خان شيخون وشمال حماة "، مضيفاً أنه "بعد اشتباكات عنيفة وتمهيد بري وجوي مكثف، تمكنت القوات السورية من دخول مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي".

وأكد قائد ميداني من القوات الحكومية السورية، أن "هروب فصائل المعارضة امتد إلى ريف حماة الشمالي أيضاً، وأن الفصائل لم تستطع مواجهة الجيش السوري في مدن اللطامنة، وكفرزيتا، ومورك، وقرى لطمين، ولحايا ومعركبة، في ريف حماة الشمالي، وبذلك يصبح ريف حماة الشمالي بشكل كامل تحت سيطرة الجيش السوري الذي يواصل تقدمة لفرض سيطرته على كل مناطق ريف إدلب الجنوبي".

وكانت القوات السورية، تحاول منذ أيام التقدم نحو خان شيخون الاستراتيجية، التي يمر بها طريق سريع استراتيجي يربط حلب بدمشق.

وقصفت مروحيات عسكرية أمس الإثنين رتلاً تركياً على طريق دمشق قرب مدينة معرة النعمان بريف إدلب، محملاً بذخائر وأسلحة، كان يحاول الوصول إلى خان شيخون، التي تحصنت فيها ميليشيات تدعمها أنقرة.

ولم يتمكن الرتل العسكري التركي من إكمال طريقه، بعد تعرض مناطق قريبة منه للقصف، ما دفعه إلى التوقف منذ أمس، في قرية على الطريق الدولي في قرية معر حطاط شمال خان شيخون.

ويضم هذا الرتل وفق وكالة " فرانس برس" قرابة 50 آلية من مصفحات، وناقلات جند، وعربات لوجستية بالإضافة إلى 5 دبابات على الأقل.

انزعاج تركي
ورداً على هذا الحصار السوري، لجأت تركيا إلى "اللغة العنترية"، قائلة إن "قواتها في شمال سوريا باقية في أماكنها"، وقال وزير خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو، اليوم الثلاثاء، إن "نقطة المراقبة العسكرية رقم 9 في ريف حماة لن تُغير مكانها"، مضيفاً أن "حكومته تجري اتصالات مع موسكو بعد  الهجوم على الرتل التركي".

وعبرت وزارة الدفاع التركية، مساء أمس، عن انزعاجها من الضربة الجوية، وقالت إنها "أبلغت روسيا مسبقاً بتحركاتها"، وأدانت الوزارة "بشدة" الغارة الجوية، واعتبرتها انتهاكاً للاتفاقات مع روسيا.

ولأنها لم تستطع إدانة موسكو، حملت تركيا قوات الجيش السوري، مسؤولية الغارة على قواتها.

وفي المقابل، أدانت الحكومة السورية عبور قوات تركية حدود بلادها، والدخول إلى مدينة سراقب، واعتبرت ذلك انتهاكاً لسيادتها، وقال مسؤول في وزارة الخارجية السورية إن التحرك التركي كان"لنجدة الإرهابيين المهزومين من جبهة النصرة المدرجة على قوائم مجلس الأمن الدولي منظمة إرهابية، الأمر الذي يؤكد مجدداً استمرار الدعم اللامحدود الذي يقدمه النظام التركي للمجموعات الإرهابية".

ويهدد تقدم الجيش السوري في جنوب إدلب، الوجود التركي في شمال سوريا، لأن وصول القوات السورية إلى خان شيخون التي فقدتها منذ منتصف 2014، يمكنها من عزل مدن وبلدات ريف حماة عن إدلب، ما يعني قطع طريق الإمداد عن نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك بريف حماة الشمالي، ووقوع مواجهات مباشرة مع الفصائل التي تدعمها تركيا والتي اختارت الانسحاب من القتال.

تحذير روسي

ومن جانبها، حذرت روسيا، اليوم الثلاثاء، من أي اعتداء على جنودها في إدلب، في ظل المعارك العنيفة تشهدها المحافظة "بين الجيش السوري الذي تدعمه موسكو وإرهابيين".

ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء، عن وزير الخارجية سيرغي لافروف "يوجد أفراد من الجيش الروسي في محافظة إدلب، وموسكو تتابع الوضع عن كثب".

ونسبت الوكالة إلى لافروف التشديد على "التصدي بقوة لأي هجمات تنفذها جماعات إرهابية في منطقة خفض التصعيد بإدلب".

وفي سياق متصل، قالت صحيفة "واشنطن إكزامينر" الأمريكية، في تقرير، إن "روسيا لا تزال متحكمة في ما يجري على الأرض في سوريا".

واعتبرت الصحيفة أن قصف الطائرات الروسية، قافلة عسكرية تركية في سوريا، يؤكد عجز أردوغان عن تصعيد القتال في سوريا، مضيفةً أن "روسيا، تريد، بفرض السيطرة الكاملة على إدلب، آخر المحافظات الخارجة عن سيطرة دمشق، إضعاف الوجود التركي في الشمال السوري".

إردوغان الجبان
وقال الباحث البريطاني الأمريكي بمركز بروكنغز الأمريكي، تشارلز ليستر، إن "تركيا ردت على الغارة الجوية التي شُنت على قواتها، بنشر طائرات مقاتلة واستخباراتية في المجال الجوي السوري الذي تسيطر عليه موسكو، في محاولة لدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإعادة تقييم قراره بإطلاق العنان لبشار الأسد، أو مواجهة الإجراءات العسكرية التركية المضادة، لكن على الأرجح، ووفقاً للباحث، سيراهن بوتين على أن أردوغان، لا يملك الجرأة على تصعيد القتال.

وأوضح الباحث، أن الغارة الجوية الأخيرة، تثبت أن بوتين لايزال ممسكًا بزمام المبادرة في سوريا، كما أكد أمس دعمه لحملة إدلب خلال لقائه مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون.

مصالح تركيا
أرادت أنقرة بوضوح دعم حلفائها من جبهة النصرة وغيرها من الجماعات المسلحة، لفرض الأمر الواقع بدخولها إلى سوريا، وإرسال المزيد من الامدادات.

وبعد فشل الميليشيات المسلحة في أداء دورها وفق المخططات التركية، وجدت أنقرة نفسها مضطرة للدخول مباشرة إلى سوريا، والمشاركة في المعارك الدائرة قرب حدودها، مهددةً باجتياح شرق الفرات.

وبحسب تقارير صحافية، ستؤدي الحرب في الشمال إلى نزوح عشرات الآلاف من اللاجئين إلى الحدود التركية، في وقت يجمع نظام أردوغان السوريين لترحيلهم إلى بلادهم.

نفوذ متراجع
وأغضب الدعم المتواصل من قبل نظام أردوغان لمجموعات المعارضة السورية، ومن بينها هيئة تحرير الشام التابعة لتنظيم القاعدة، الحكومة السورية، التي تأمل في إضعاف عزم إردوغان، ما يهيئ ساحة المعارك للجيش السوري فيشن الهجوم النهائي على إدلب آخر معاقل المناوئين للنظام، وفق تقرير لصحيفة "واشنطن إكزامينر".

ويتسأل المراقبون، كيف ستخرج أنقرة من هذا المأزق الذي وضعت نفسها فيه، باقترابها من خان شيخون؟ فهل ستصعد عسكرياً لتدخل في مواجهة مباشرة مع الحليفين الإيراني والروسي؟ أم أنها ستضطر إلى تغيير خططها لحفظ ماء الوجه بالانسحاب من المنطقة برمتها، ما سيفقد الجماعات المسلحة المعارضة والجهادية أهم ركيزة ترتكز عليها، الوجود العسكري التركي بفضل نقاط مراقبة.

رسائل نارية
وفي هذا الشأن، اعتبر المحلل السياسي والعسكري السوري الدكتور محمد كمال جفا، أن استهداف الرتل التركي، رسائل نارية لأنقرة لتحذيرها من "تجاوز الخطوط الحمراء"، ولكنه استبعد أي مواجهات مباشرة بين الجيشين السوري والتركي.

وقال المحلل السياسي في حديثه لوكالة "سبوتنيك" الروسية إن "استهداف الرتل العسكري التركي يدل على رسائل بالقوة النارية أرادت سوريا وروسيا إيصالها إلى القيادة التركية بأن الخطوط الحمراء المتفق عليها بين الأطراف الضامنة لا يمكن لسوريا القبول بتجاوزها، خاصةً أن تركيا قامت بكل ما تستطيع في الأسابيع الماضية بإطلاق يد المجموعات المسلحة بكافة تسمياتها بل وقدمت لها كل الدعم اللوجستي والميداني، وأمدتها بالعتاد والذخيرة، بل وفرت لها مسرح عمليات مريح للتنقل على كامل قطاع الجبهات الساخنه، وكانت شريكاً لها في القيادة والتشويش والإمداد والتموين للخطوط الأولى وحتى في الإخلاء الطبي للقتلى والجرحى من كل الفصائل وبلا استثناء".

وتابع أن "مواجهة مباشرة لا يمكن أن تحدث بين الجيشين السوري والتركي ولا حتى بين بين الجيش الروسي والتركي، وخطوط التواصل والتنسيق لا تزال مفتوحة لكن بحدها الأدنى وعلى مستويات قيادة منخفضة بالحد الأدنى تفادياً لأي عمليات تصعيد لا تُحمد عقباها لأن المصالح التركية الروسية أكبر من الملف السوري وتشمل ملفات إقليمية واقتصادية ضخمة عدا عن وجود تقاربات بين البلدين في ملفات كبرى منها ما يتعلق حتى بالملف السوري".

وأضافت المحلل السياسي "أعتقد أن سير العمليات العسكرية سيستمر وسيكون هناك تنسيق في الحد الأدنى، وسيعمل الجانب السوري والروسي على تطبيق ما اتفق عليه في الجولات الماضية والتي عجز التركي عنها لأسباب تخصه لفرض إيقاعه وأوامره على هذه المجموعات، وأعتقد أن سيناريو حلب سيتكرر مرة أخرى للاستحواذ على بقعة جغرافية أخرى تضاف إلى المناطق الآمنة التي تحظى بسيادة وسيطرة واستقرار الأنظمة والقوانين السورية".