رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي في موقع مخزن انفجر في بغداد هذا الشهر (أرشيف)
رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي في موقع مخزن انفجر في بغداد هذا الشهر (أرشيف)
الأربعاء 21 أغسطس 2019 / 23:29

"الانفجارات الغامضة".. من الذي يستهدف معسكرات "الحشد الشعبي" في العراق؟

24. إعداد: شادية سرحان

مرة أخرى تتعرض مواقع تابعة لميليشيات الحشد الشعبي العراقية المدعومة إيرانياً لهجمات غامضة، فيما احتدم السجال في العراق عن ماهية المسؤول عن الهجمات أو الانفجارات وهدفها، في ظل التلميحات الإسرائيلية بوقوفها ورائها، وفي مقابل صمت حكومي أو"عجز" عن كشف الجهة المتورطة.

وشكلت هذه التفجيرات لغزاً لقوات الأمن العراقية، ويسود اعتقاد بأنها نتيجة قصف جوي إسرائيلي محتمل، لكن المصادر العسكرية العراقية لم تؤكد هذه الفرضية، فيما قالت صحف عراقية إن قصفاً واحدأً لمخازن عتاد فصيل من الحشد الشعبي قبل عدة أيام على الأقل كان نتيجة قصف جوي دون تحديد الجهة المسؤولة عنه.

وسلطت وسائل إعلام غربية وعربية، اليوم الأربعاء، الضوء على الحوادث المتكررة والغامضة التي طالت مقرات ميلشيات الحشد الشعبي في العراق، وما ترافق معها من تسريبات وتلميحات اسرائيلية "غير صريحة"، عن يد لتل أبيب في استهدافها، فيما كُشف النقاب عن اتفاق أمريكي روسي يسمح لإسرائيل باستهداف أذرع إيران في العراق، شرط الامتناع عن إعلان مسؤوليتها عنها أو تبنيها لها.

وانفجرت، مساء أمس الثلاثاء، قواعد ومخازن أسلحة تملكها فصائل مسلحة من الميليشيات الرئيسية المدعومة من إيران في الحشد الشعبي العراقي، قرب قاعدة البلد الجوية، في صلاح الدين، شمال العراق، في تفجير هو الرابع من نوعه هذا الشهر، والأحدث في هذه السلسلة الغامضة.

وطرحت الهجمات الغامضة أسئلة متعددة، وتساءل مراقبون، إذا كان ذلك يعني إطلاق عملية تحجيم لقوة ميليشيات الحشد الشعبي في العراق؟ رغم غموض هوية الجهة المعنية بالأمر أو المستفيدة منه.


قصف إسرائيلي
وطفت على السطح عدة تحليلات، بعد ساعات قليلة من التفجير، وأجمع أكثرها على وقوف طائرة إسرائيلية وراء القصف، وهو ما تبنته أطراف في الحشد الشعبي، خاصةً بعد التلميحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن مسؤولية تل أبيب عن تلك الهجمات.

ونقل موقع "تايمز أوف إسرائيل"، عن نتانياهو قوله لصحافيين أمس الثلاثاء، من مقر إقامته في العاصمة الأوكرانية كييف، حينما سُئل عن الأمر "إيران ليس لديها حصانة في أي مكان"، مُضيفًا: "إيران تهدد إسرائيل، وأصبحت أكثر عدوانية مُنذ الاتفاق النووي في 2015"، مؤكداً أن بلاده تعمل وتتصرف ضد إيران، أين كان ذلك ضرورياً.

ورأى العديد من المحللين السياسيين للشأن العراقي، في التصريح، إقراراً ضمنياً بمسؤولية إسرائيل عن قصف مقرات ومواقع داخل العراق.

ومن جهتها، رفضت قيادات الميليشيا المدعومة من إيران اعتبار الحادث عرضياً، في إشارة منها إلى تعرض الموقع لاعتداء مدبر خاصةً وأن المخازن المستهدفة تضم أسلحة بينها صواريخ.



عجز عراقي

ويرى خبراء في الشأن العراقي، أن الجهات الرسمية العراقية أظهرت عجزاً متنامياً  على الرد على تلك الهجمات، وحتى مطلب إغلاق الأجواء العراقية أمام الملاحة الدولية، الذي طرحته بعض الشخصيات السياسية العراقية، لضبط الهجمات على الداخل العراقي، لم يلقَ أي استجابة.

ووصل وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري إلى قاعدة بلد الجوية العسكرية، لمتابعة المُجريات، لكن لم يصدر عنه أي تصريح عن الخطوات التي ستتخذها حكومته، وحسب الخبراء، فإن الحكومة العراقية تُظهر عجزاً مزدوجاً، عسكري يتمثل في عجز الجيش العراقي عن التصدي للهجمات، و سياسي بالفشل في ضبط وتنظيم فصائل الحشد الشعبي.

استهداف من الداخل
ومن جهة ثانية، يرى دبلوماسي غربي رفض كشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أن "استهداف مخازن سلاح وعتاد قوات الامن العراقية تم من الداخل"، مشيراً إلى أن "تقارير أجهزة الاستخبارات الغربية تؤكد أن الإسرائيليين يحاولون التلاعب بالرأي العام العالمي والعراقي خاصةً، عبر الإيحاء بوقوفهم وراء ذلك".

وأضاف الدبلوماسي، حسب "مركز بيت العراق"، أن "تقارير أمنية خاصة أكدت أن تفجير المخازن كان من الداخل العراقي عبر عملاء محليين تابعين لجهاز مخابرات عالمي"، دون أن يفصح عن هويته، مشيراً إلى أن "التفجيرات على قوتها لم تتسبب في سقوط ضحايا كثر وهذا شيء ملفت".

وتابع الدبلوماسي، أن "الطائرات الإسرائيلية لا يمكنها عبور الأجواء السورية، واجتياز منظومات الدفاع الجوي الروسية، والايرانية النشطة فيها، كما أن أي عملية من هذا النوع ستنهي اتفاقية الإطار الاستراتيجي العراقية الأمريكية بشكل فعلي، وسيترتب على الدولة المهاجمة عقوبات قانونية ودولية كبيرة".

ويذكر أن العراق وأمريكا، وقعا في نوفمبر(تشرين الثاني) 2008 اتفاقية الإطار الاستراتيجي للدفاع المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في العراق.

ونص القسم الثالث من الاتفاقية، على أنها "جاءت لردع جميع التهديدات الموجهة ضد سيادة العراق وأمنه وسلامة أراضيه، من خلال تنمية الترتيبات الدفاعية والأمنية". كما ألزمت الاتفاقية الطرفين بالتعاون في مجالي الأمن والدفاع، بشكل يحفظ للعراق سيادته على أرضه، ومياهه، وأجوائه.

ومن جانبه، قال المحلل السياسي العراقي إبراهيم الصميدعي في منشور على موقع فيس بوك: "الكل يتحدث عن فرضية أن الحرائق والانفجارات التي تحدث في مقرات الحشد الشعبي في العراق هي بسبب قصف جوي، لكن لم يطرح أحد فرضية أن هذه الانفجارات والحرائق قد تكون بسبب عامل بشري على الأرض".



هجمات غير مرئية
ورغم ربط الانفجارات بهجمات بطائرات دون طيار، إلا أن ذلك لم يمنع أيضاً من ترجيح بعض التحاليل لخطأ في التخزين، ما يجعل الانفجارات نتيجة سوء تخزين الأسلحة أو تماس كهربائي أو ارتفاع في درجات الحرارة.

ويقول الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي: "إذا كانت التفجيرات، التي طالت مخازن سلاح الحشد، داخلية، أو بنيران غير عدوانية، أو بسبب طبيعي أو لسوء التخزين أو الإهمال، وتكررت 4 مرات، فهذا يلزم قيادة الحشد بتسليم مهمة المخازن إلى من لا تتفجر أكداس سلاحه وعتاده من القوات المسلحة، أو الاستعانة بخبراتها بلا تعال".

وأضاف "أما إذا كان المصدر خارجياً، فهذا يُلزم بتحديد هوية العدو"، وتساءل "هل وقع قصف خارجي غير مرئي لمركز عمليات الدفاع الجوي الوطني العراقي، ولمنظومات الدفاع الجوي الإيرانية التي تعمل قرب الحدود العراقية، وتغطي 400 كيلومتراً من عمق العراق؟".

وتابع "إذا كانت كل هذه الأطراف فشلت في كشف الهجمات الأربع، فهل فشلت رادارات الولايات المتحدة وروسيا، في كشفها أيضاً؟".

ويرى ساسة عراقيون إن "إيران قد تطيح برئيس الوزراء العراقي نفسه، إذا لمست فيه ميلاً إلى الولايات المتحدة أو حلفائها، ما ينذر بعواصف سياسية وشيكة في هذا البلد".



وديعة متفجرة
ومن جهة أخرى، عزت مصادر عراقية، انفجار مخازن الحشد إلى 3 صواريخ أرسلتها إيران لميليشيا الحشد الشعبي. ولكن ميليشيا الحشد الشعبي، حملت الولايات المتحدة الأمريكية، مسؤولية القصف، وقالت إن "الأمريكيين أدخلوا طائرات مسيرة إسرائيلية لاستهداف مقرات عسكرية عراقية".

وكان نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، أكد في حديث تلفزيوني، أن الأسلحة التي انفجرت غير عراقية، وأن نوعيتها تشير إلى أنها وديعة من دولة مجاورة، في إشارة إلى إيران.

وحتى اللحظة لم يصدر أي تعقيبٍ رسمي من الحكومة العراقيّة حول التفجيرات التي هزت قواعد الحشد، ولم يصدر أي تعليقٍ عراقي رسمي يتهم إسرائيل بالمسؤولية عن العمليات التفجيريّة.

ويرى مراقبون أن "الحشد الشعبي" أصبح مصدر قلق للعراق بشكل عام، كما ساد القلق بين العراقيين، بسبب ما اعتبروه دخول بلادهم في أتون مواجهة جديدة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.

ويذكر أن ميلشيات الحشد الشعبي تتكون من 70 فصيلاً مسلحاً تأسست في 2014 بعد فتوى من المرجع الشيعي علي السيستاني وبأوامر من الإرهابي الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس جناح الحرس الثوري الخارجي، بحجة محاربة تنظيم داعش الإرهابي.