الخميس 22 أغسطس 2019 / 15:12

صراع العمالقة يضغط على مؤشر النمو العالمي

24 - إعداد: محمود غزيّل

حتى مع استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فإن التوترات الجيو-سياسية بين القوتين لا تظهر أي إشارة إلى التراجع. في الوقت الحالي، يستغل المفاوضون التجاريون الأمريكيون والصينيون المؤتمرات غير المباشرة لتبيان كيفية إعادة إحياء المحادثات التجارية.

وفي حين قد ينظر البعض على هذه الخطوات على أنها تحسن في النزاع التجاري بين البلدين، إلا أن النظرة الأشمل لهذا الملف تعكس هاجساً كبيراً لدى الاقتصاديين المتخوفين من التأثير الواسع على الاقتصاد العالمي.

وشهد الشهر الجاري على زيادة في التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين بعد انفراج قصير عندما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسمياً أن الصين تتلاعب بالعملة، وهي المرة الأولى التي تتهم فيها الولايات المتحدة أي دولة بذلك منذ 25 عاماً. وقد ردّت الصين على تلك الاتهامات بمقاطعة المنتجات الزراعية الأمريكية.

لكن في الأسبوع الماضي، قررت واشنطن تأجيل وضع تعريفة ضريبية على سلع صينية الصنع بقيمة 300 مليار دولار حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول)، بعد أن كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في سبتمبر (أيلول) المقبل.

وبحسب ما أشار إليه تقرير لموقع "موني كونترول" الإلكتروني، فإن قضايا أخرى أشعلت الخلاف التجاري بين البلدين وكشفت عن مقدار القوة التي تمتلكانها عالمياً، لاسيما قرار واشنطن بشأن بيع طائرات مقاتلة من طراز F-16 بقيمة 8 مليارات دولار لتايوان وتحذير ترامب ضد شركة هواوي بسبب تهديدات الأمن القومي.

ووفقاً لتقرير وكالة "بلومبرغ"، فإن عدم اليقين بشأن التجارة العالمية يمكن أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.6% في 2021 مقارنة بسيناريو غياب الحرب التجارية، والذي يترجم إلى غياب 585 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي التقديري لصندوق النقد الدولي والبالغ 97 تريليون دولار في 2021.

وعلى الرغم من استعداد طرفي الأزمة التجارة العالمية العودة إلى طاولة المفاوضات، إلا أن نفحات الركود العالمي، بخاصة جراء تبعات التوتر الذي حصل، تزداد قوة.

إذ هناك 9 اقتصادات رئيسية في جميع أنحاء العالم، بينها بريطانيا وألمانيا وروسيا وسنغافورة والبرازيل، على وشك الدخول في مرحلة الركود أو وصلت إليه. ويخشى الاقتصاديون وصول الولايات المتحدة إلى تلك المرحلة قريباً جداً، إذ أكد استطلاع من قبل "الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال" أن 34% من المشمولين بالاستطلاع يعتقدون أن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي سيؤدي إلى الركود في عام 2021.

ويرى تقرير آخر لوكالة بلومبرغ أنه في حين قد يكون بالإمكان استخدام سياسة نقدية للتخفيف من صدمات عدم اليقين بالوضع الاقتصادي المرتقب، إلا أنه لا يمكن منع حدوث الضرر. إذا استجابت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لضعف الطلب، فمن المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي العالمي أقل بنسبة 0.3% في عام 2021. وسبق أن خفضت المصارف المركزية في جميع أنحاء أوروبا وأستراليا وآسيا بما في ذلك الهند، في الماضي القريب أسعار الفائدة استجابةً لتوسيع تداعيات الحرب التجارية، أو تستعد للقيام بذلك، كما ذكرت تقارير لـ"رويترز".

ولكن منذ بضعة أيام، عاد ترامب وأكد عبر تويتر ضرورة أن تضع السلطات الصينية الخطوات المطلوبة من أجل حل "إنساني" للأوضاع في هونغ كونغ، التي تشهد احتجاجات للأسبوع العاشر، رفضاً لمشروع قانون يتيح تسليم مطلوبين إلى الصين.

وربط ترامب المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين بتسوية أزمة هونغ كونغ قائلاً: "في الصين تزول ملايين الوظائف لتذهب إلى دول لا تخضع لرسوم جمركية وآلاف الشركات تغادر هذا البلد". وأضاف عب تويتر "بالتأكيد تريد الصين إبرام اتفاق (مع الولايات المتحدة) لكن ليتصرفوا بإنسانية مع هونغ كونغ أولاً".

وبعيداً عن ذلك كتب ترامب تغريدة أخرى لهجتها مختلفة، أكد فيها إن بإمكان الرئيس الصيني شي جينبينغ حل الأزمة الناتجة عن المواجهة بين الحكومة والمتظاهرين في هونغ كونغ بطريقة "إنسانية"، وأضاف عبارة "لقاء شخصي؟" في نهاية تغريدته، في ما بدا وكأنه يتوجه بشكل مباشر إلى الرئيس الصيني.

وأشار اقتصاديون إلى أن "تغريدة ترامب كانت أقوى من التعرفة الاقتصادية"، إلا أن الشيء الوحيد المؤكد أن حرب التعريفات بين أكبر اقتصادين في العالم ستؤذي الصين أكثر، إذ في حين من المتوقع أن ينخفض الناتج الاقتصادي الأمريكي بنسبة 0.6%، من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 1%.

المخاطرة الكبرى، بحسب تقرير صحيفة "نيويورك تايمز"، بإقدام ترامب وقادة الدول الأخرى على الاستنتاج بأنه يمكن استغلال وضع العملات في النزاعات التجارية بخاصة مع مهاجمة الرئيس الأمريكي خلال الأيام الماضية بنك الاحتياطي الفيدرالي لعدم تخفيض أسعار الفائدة أكثر، بحجة أن هذا جعل قيمة الدولار مرتفعة بشكل مفرط، مما أضعف قدرة المصدرين الأمريكيين.

وعلى الرغم من تحذير صندوق النقد الدولي من أنّ الحرب التجارية تؤدي إلى تباطؤ النمو العالمي، ومع ظهور مؤشرات على احتمال حدوث انكماش في الاقتصاد الأمريكي، لا يبدو أنّ سيد البيت الأبيض بصدد التخفيف من وطأة هذه الحرب.

وأعاد ترامب الكلام عن الحرب التجارية مع الصين مع تصريحه خلال الساعات الماضية من البيت الأبيض بالقول أنه "المختار" من الله لأداء هذه المهمة. 

وعلى مدى العقود الماضية، وعلى الرغم من أن الاقتصاد العالمي لم يكن متوقعاً أو مستقراً، إلا أن تزايد التوتر، خصوصاً بين القوى الولايات المتحدة والصين وبعض المراكز الاقتصادية الكبرى، قد يكون مدخلاً لمرحلة ركود عالمية قد تضرب نهاية 2020.