الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورجل الأعمال الأمريكي إليوت برويدي (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورجل الأعمال الأمريكي إليوت برويدي (أرشيف)
الجمعة 23 أغسطس 2019 / 14:03

قضية برويدي تفضح أوسع عملية استقطاب قطرية غير مشروعة في أمريكا

فضحت باحثة أمريكية بالوثاق والأدلة أوسع عملية تعبئة غير مشروعة في الولايات المتحدة تورطت فيها قطر من خلال نسج تحالفات مع خصوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الديمقراطيين والإعلاميين وتمويلهم لضرب صورته وتبرئة ساحة الدوحة من تهم الإرهاب.

المعلومات التي قدمها برويدي ترسم صورة صارخة: حكومة أجنبية تقوم باختراق بريد مواطن أمريكي في محاولة لإسكاته عن طريق تشويه سمعته

وتعود قصة المتموّل الأمريكي إليوت برويدي إلى أوائل يناير (كانون الثاني) 2018، عندما اخترق قراصنة بريده الإلكتروني وبريد زوجته ومساعده الشخصي. وعلى مدار الأشهر التالية، تمكن هؤلاء القراصنة وفقًا لشكوى قانونية تم تقديمها هذا الصيف، من الوصول إلى آلاف المستندات والاتصالات السرية والمسجلة على خادم شركته وفي حسابات البريد الإلكتروني.

ومع أن برويدي، رجل الأعمال في لوس أنجلس والناشط السياسي، غير معروف للعديد من الأوساط السياسية الخارجية، إلا أن قصته بمثابة تحذير مروع من تأثر وسائل الإعلام الحزبية بعملاء أجانب "لإسقاط" الرئيس ترامب.

وبحلول نهاية شهر فبراير(شباط)، انكب نشطاء سياسيون على التنقيب في سجلات برويدي الشخصية، ونسجوا منها قصصاً وبدأوا تزويدها للصحافيين.

موجة من القصص المحرجة
وظهرت في الأشهر الأخيرة موجة من القصص المحرجة عن برويدي في منشورات أمريكية، وآخرها الأسبوع الماضي، في صحيفة نيويورك تايمز، حيث قدم كينيث فوغل، مراسل صحيفة "بوليتيكو" السابق القصة الرئيسية العاشرة للصحيفة عن رجل الأعمال الأمريكي في الأشهر الـ 19 الأخيرة، تلاه في وقت لاحق مقال آخر لتضخيم العاشر وتكثيفه.

ووسط مئات المقالات التي غذتها غرف الصدى المناهضة لترامب، تقول الصحفية الأمريكية إرييل ديفيدسون في موقع "الفيديراليست" أنه من المهم أن نتساءل عن سبب تركيز الصحافة على برويدي الذي لم يخدم في أي منصب سياسي ولا سعى إلى ذلك. هو مجرد مانح قديم من الحزب الجمهوري وجامع تبرعات من أجل القضايا المؤيدة لإسرائيل والمحافظة، لا سيما فيما يتعلق بالأمن القومي لأمريكا والحرب على الإرهاب. ولفتت أيضاً إلى أنه ليس نموذج المانحين الذي يسعى اليسار عادة إلى إزاحته، مثل شيلدون أديلسون وبيرني ماركوس أو الأخوة كوخ. هو ببساطة أثار غضب اليسار لأنه عام 2017، أصبح أبرز منتقدي قطر ودعمها لحركة حماس والإخوان المسلمين.

أعداء قطر أعداء الإعلام
يشكل اليسار الأمريكي وقطر حليفين غريبين. وكان ديفيد ريبوي كتب في "الفيديراليست" أيضاً إن استراتيجية قطر الماهرة المتمثلة في مواءمة نفسها مع اليسار الأمريكي قد حققت مكاسب كبيرة. وبات أعداء قطر هم أعداء اليسار وبشكل افتراضي أعداء الإعلام.

وكتب ريبوي في حينه: "تمكنت قطر من استمالة الصحفيين من خلال تكييف الدعاية والرسائل لإيجاد جمهور متقبل. من خلال تكرارها القضايا التي تهم اليسار السياسي- مثل الإسلاموفوبيا ومعاداة الرأسمالية وتفوّق البيض وما شابه - تمكنت وسائل الإعلام القطرية وجماعات الضغط  من حشد قدر كبير من التعاطف من هذا المجتمع القوي للغاية ذي الأصوات العالية".

تهديد الإسلام السياسي
وخلال العقدين الأخيرين، كان برويدي من الذين حذروا من تهديد الإسلام السياسي، حيث دعموا مالياً العديد من الخبراء الذين يقومون بأبحاث للتحذير من هذا الخطر. وهو عمل في المجلس الاستشاري للأمن الداخلي للرئيس جورج دبليو بوش من 2006 إلى 2009، مع مجموعة من مسؤولي الأمن، بدءاً من وزير الأمن الداخلي مايكل تشيرتوف إلى مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق ويليام ويبستر إلى خبير الإرهاب وليد فارس.

الإخوان
وعندما اندلعت الحرب الباردة بين قطر وجيرانها، اعتقد برويدي أن الحلفاء المسلمين لأمريكا في الشرق الأوسط يمكنهم توجيه ضربة كبيرة للحركة الإسلامية التي يعتبرها تهديدًا لأمريكا وإسرائيل. ونتيجة لذلك انخرط وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" بأعمال في المنطقة بناء على رأي مشترك عن التهديد الذي يمثله الإخوان.

وبينما كان برويدي يدعم حلفاءه في الشرق الأوسط لمحاربة جماعة الإخوان المسلمين، كانت قطر تشن حملة واسعة للعلاقات العامة. فقامت بتمويل وسائل الإعلام (بشكل مباشر ومن خلال ملايين الدولارات الإعلانية) ومؤسسات الفكر والرأي مثل معهد بروكينغز ومجموعة الأزمات الدولية. كما وظفت مجموعة كبيرة من جماعات الضغط بملايين الدولارات شهريًا.

قطر وإيران
وكتبت مجلة "ديلي بيست" أن برويدي كان غاضباً خصوصاً لأن نيك ميوزين الذي كان موظفاً لدى السناتور تيد كروز الذي تربطه علاقات قوية بزعماء يهود، وقع عقداً مع حكومة قطر للعمل لمصلحتها.

واعتبر برويدي ميوزين خائناً، كما أن علاقات قطر بإيران التي تتقاسم معها حقلاً للغاز، أغضبت كثيرين من المؤيدين لإسرائيل. كذلك، أثار امتلاك قطر للجزيرة استياء مناصرين لإسرائيل.
وكتب برويدي في رسالة لزوجته في سبتمبر (أيلول) 2016: "أريد أن أتقيأ...ما هذا المعتوه". فردت عليه: "هل هذا الرجل يهودي حاقد...ماذا يمكننا أن نفعل".

حملة برويدي
وسعى برويدي إلى مواجهة الهجوم القطري الناعم في الولايات المتحدة، وخصوصاً داخل دوائر صنع القرار. ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقارير عن الحملة التي أطلقتها برويدي للتحذير من مخاطر الإمارة التي تدعم الإسلاميين، بما في ذلك رعايته المؤتمرات في مؤسسات الفكر والرأي مثل معهد هدسون ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. ودفع برويدي منحاً تكريمية للمتحدثين في هذه المؤتمرات ولوضع التقارير والأبحاث ووفر منصة ضرورية للنقد الشرعي لقطر ولتمويلها للإرهاب والتحريض الإسلامي.

حرب إعلامية
واعتبر تقرير "الفيديراليست" أن مثل هذه الهجمات الإلكترونية التي تدعمها هيئات صحفية لا تهتم أخلاقياً بتلقي الوثائق المسروقة والمقرصنة هي طريقة وحشية جديدة لخوض حرب إعلامية. ولا شك في أن شرح الاتهامات أو دحضها أو وضعها في سياقها (والتي غالباً ما تكون بلا أساس أو ملفقة) يؤدي إلى الوقوع في الوحل مع الصحافيين والنشطاء الذين يتمتعون بموازنات لا حدود لها، لا سيما عند التعامل مع أي شخص يدعم ترامب. وبالنسبة إلى وسائل الإعلام الحزبية المتحمسة، يصير كل رد ذريعة لتسليط الضوء على القصة مرة أخرى.

ومن المثير للاهتمام، أن ديفيد كيركباتريك وديكلان والش من صحيفة "نيويورك تايمز" ساهما في رواية فوغل الأخيرة. ويوضح كاتب الأمن القومي جوردن شاشتل أن المراسلين الثلاثة مدرجون في ملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب بسبب اجتماعهم مع جماعات الضغط القطرية حول العملية المستمرة ضد برويدي.

وفي حين تورد دعوى برويدي أن حملة قام بها عملاء وجماعات ضغط يعملون لصالح قطر لاختراق وتوزيع مواده المسروقة، فإن مثل هذه الاتهامات لم تثبت بعد كحقيقة واقعة في المحكمة. ومع ذلك، من المعروف أن الوكلاء الأجانب المسجلين لقطر يجتمعون مع عشرات الصحافيين، مما يضفي مصداقية كبيرة على هذه الاتهامات.

قربه من ترامب
بالإضافة إلى موقفه من قطر، فإن قرب برويدي من الرئيس جعله هدفًا محتملاً لغضب اليسار. وتخلص الصحافية إلى أن سلوك وسائل الإعلام حيال برويدي، سواء أكان ناشئاً من الرغبة في حماية قطر أو ضرب ترامب، هو أمر مزعج للغاية ويظهر قبولًا متزايدًا بين مراسلين لاستخدام مستندات يتم اختراقها بشكل غير قانوني (وفي حالة برويدي من عملاء يعملون لقطر) ثم إخفاء مصادر قصصهم.

وأكدت أن المعلومات التي قدمها برويدي ترسم صورة صارخة: حكومة أجنبية تقوم باختراق بريد مواطن أمريكي في محاولة لإسكاته عن طريق تشويه سمعته. ونظراً إلى عدد مقالات فوغل في "نيويورك تايمز" استناداً إلى رسائل البريد الإلكتروني المسروقة هذه، يبدو أن المراسل لديه علاقة طويلة الأمد مع أشخاص ارتكبوا جريمة خطيرة ويساعدون بفارغ الصبر حملتهم المزعومة ضد المتبرع الجمهوري السابق.