الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
السبت 24 أغسطس 2019 / 15:41

بحجة الإرهاب.. أردوغان ينقلب على الديمقرطية

24. إعداد: شادية سرحان

وصلت معدلات الديكتاتورية في تركيا إلى مستوى غير مسبوق، حيث تتزايد سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان القمعية يوماً تلو الآخر، الأمر الذي تسبب في موجة عارمة من الغضب تجتاح مدناً تركية، لا سيما بعد القرارات الاستبدادية التي يتخذها نظام أردوغان تجاه الأكراد، لتغدية الكراهية القومية، بحجة الإرهاب، مما أدى إلى موجة من الاستياء داخل تركيا وخارجها بالإضافة لاتهام أنقرة بالانقلاب سياسياً على الديمقراطية بأمر من أردوغان، وسط حملات القمع والاعتقالات المتواصلة.

وتسببت هذه القرارات غير المدروسة في احتجاجات واسعة في بعض المدن التركية، الثلاثاء الماضي، استخدمت فيها قوات الأمن التركية الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، لتفريق المتظاهرين في محافظة ديار بكر الواقعة جنوب شرقي تركيا. وجاءت التظاهرات التي خرجت ضد الحكومة بسبب قيام وزارة الداخلية بعزل 3 رؤساء بلديات ينتمون لحزب موال للأكراد، كانوا قد فازوا في الانتخابات المحلية الأخيرة بفارق كبير عن منافسيهم، وتم تعيين 3 أوصياء على تلك البلديات خلفاً لهم.

وخرج المئات في ديار بكر إلى الشوارع، تنديداً بقرار عزل رئيس بلديتها، كما خرجت أعداد من المحتجين في كل من ماردين ووان، وامتدت الاحتجاجات إلى ميدان تقسيم في وسط إسطنبول، حيث تجمع العشرات للتنديد بقرار عزل رؤساء البلدية المنتخبين، الذي اعتبروه انقلاباً على إرادة الناخبين، إلا أن الشرطة قامت بتفريقهم.

ويذكر أن الحكومة عزلت رؤساء البلديات المنتخبين حديثاً في أكبر 3 مدن تقطنها أغلبية كردية في البلاد، وهي ديار بكر وماردين ووان.

إفلاس وعنف
وتعتبر هذه الخطوة، كما أكد الجميع، بمثابة إعلان إفلاس نظام أردوغان الذي يصف نفسه بالديمقراطي، كما تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تؤكد أن أردوغان ينفذ سياسة عنصرية في تركيا بشكل واسع، لا تقبل الاختلاف، أو تحترم حقوق المواطنين .

والأكثر خطورة من ذلك، هو ميل نظام أردوغان إلى حل القضية الكردية التي تعتبر القضية الرئيسية لتركيا، عن طريق اللجوء للعنف، وليس من خلال القانون والديمقراطية.

ويرى مراقبون في الشأن التركي، أن شرارة التظاهرات التي خرجت في ديار بكر مقدمة أولية لانتفاضة كردية ضد نظام رجب أردوغان، الذي يخوض حرباً واسعة ضد أبناء الأكراد على المستوى السياسي والميداني، متجاهلاً أنهم جزء من نسيج الدولة التركية، فضلاً عن أنهم عنصر فاعل في المجالين السياسي والاقتصادي .

صراع قديم ومعقد
ويعتبر الصراع بين الحكومة التركية والأكراد من بين أكثر الصراعات وتعقيداً، حيث استمر السجال بين الطرفين خلال أغلب سنوات حكم حزب العدالة والتنمية ولم تنجح نوايا الأكراد في التفاوض مع أنقرة في وقف ملاحقتهم وسجن قيادات حزب الشعوب الديمقراطية الكردي رغم أنه حزب سياسي معترف به رسمياً من الدولة التركية.

ويتهم أردوغان حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد بأن له صلات بحزب العمال الكردستاني. وينفي الحزب ذلك ويقول إن "الحكومة تستهدفه جوراً".

وتبنى أردوغان خطاباً متشدداً حيال المتمردين الأكراد منذ تجدد الصراع في جنوب شرق تركيا عام 2015 في أعقاب وقف إطلاق نار هش، ما أبعد أفق التوصل إلى حل سياسي.

ورغم القمع التركي المتواصل للمكون الكردي لكن الأكراد يواصلون نضالهم من أجل الحصول على حقوقهم الأساسية.

ويتمسك أردوغان في ما يتعلق بالقضية الكردية بالعناد متستراً بذرائع مكافحة الإرهاب، إلا أن قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان أمر لا يتصل بالسجناء الأكراد فقط بل بمعظم سجناء الرأي وحرية التعبير وأيضاً بمئات من العسكريين والأكاديميين والموظفين الذين تم اعتقالهم خلال حملة التطهير التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو (تموز) 2016.

كابوس وانتقادات
وتعتبر القضية الكردية "كابوس" تركيا التي تشهد حالياً انتهاكاً للديمقراطية، والقانون، والأخلاق، وتُمتهن فيها كافة القيم الإنسانية باسم "بقاء الدولة". 

وباتت أزمة الأكراد أكثر قضية تؤرق مضجع أردوغان، ليس بفعل الخوف من جموح الأكراد نحو حكم ذاتي على غرار أكراد سوريا أو بسبب الحضور السياسي المكثف للأكراد في عموم الحياة السياسية التركية، بل الأهم هو تبدل المواقف الإقليمية والدولية تجاه الأكراد، ومنها موقف الاتحاد الأوروبي الذي أشار تقريره السنوي 2018 إلى معاناة الأكراد والعنف الممنهج من قبل الدولة التركية ضدهم.

كما تسببت القضية الكردية بتوبيخ أوروبا لأنقرة، خصوصاً بعد خطوة عزل رؤساء البلديات الكردية، وهو ما اعتبره الاتحاد اعتداء على إرادة الناخبين، وخطوة تعظم الشكوك حول انتكاسة العملية الديمقراطية في تركيا.

وقرار عزل نواب أكراد منتخبين شعبياً، ليس هو الأول من نوعه، فعزل رؤساء البلديات الثلاثة يعيد إلى الأذهان الإقالات التي طالت العشرات من رؤساء البلديات في جنوب شرق البلاد عام 2016، وذلك في إطار حملة تطهير أعقبت محاولة انقلاب. وسُجن قرابة 100 من رؤساء البلديات والآلاف من أعضاء الحزب في حملة أثارت قلق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ودان سياسيون ألمان ومنظمات المجتمع المدني، قرار تعيين وصاة على البلديات التابعة لحزب الشعوب الديمقراطي، كما رفضوا الضغط السياسي الذي يمارسه نظام إردوغان، وقالت نائبة حزب اليسار الألماني هيلين آفريم سومر إن "تعيين وصاة على البلديات، يعني اغتصاب إرادة الشعب بشكل واضح"، مشيرة إلى أن "نظام إردوغان يحاول ترهيب الشعب الكردي الذي لم يرضخ له في صناديق الاقتراع والحصول على أصواتهم في الانتخابات بسياسته القمعية".

ومن جهتها، قالت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، إن " أردوغان انقلب على الديمقراطية بإقالته 3 رؤساء بلديات أكراد"، محذرة من حملة ضد المعارضة.

وانتقدت شخصيات من أحزاب المعارضة الرئيسية الخطوة التركية بحق الأكراد، حيث كتب ولي أغبابا نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، على تويتر أن الإقالات ترقى إلى مستوى "الفاشية" وأنها تشكل ضربة للديمقراطية، في حين وجه رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي ينتمي أيضا لحزب الشعب الجمهوري، انتقادات لهذه الخطوة.

وكتب إمام أوغلو في تغريدة على تويتر "إلغاء إرادة الشعب أمر غير مقبول". وكان إمام أوغلو نفسه أقيل بسبب مخالفات بعد فترة قصيرة من توليه المنصب في انتخابات مارس (آذار)، لكنه عاد ليفوز في انتخابات الإعادة في يونيو (حزيران).

ويقدم عزل رؤساء البلديات المنتخبين مزيداً من الأدلة على أن أردوغان لا يملك سوى الوسائل الاستبدادية لحكم تركيا. لكن مثل هذه الخطوة الخطيرة المناهضة للديمقراطية تثبت أيضاً، بحسب مراقبون، أن هناك الآن نظاماً سياسياً جديداً في تركيا يُدين بالولاء لأردوغان فحسب.

وفي هذا الإطار، قال موقع "أحوال تركية"، إن "المجتمع التركي سلم نفسه لقذائف وسائل إعلام النظام ذات التوجه الواحد، التي بدأت تقنعهم بأن كل من يعارض نظام أردوغان، "إرهابيون"، بل المجتمع بات متلهفاً لذلك، ولديه رغبة في سماع مثل هذه الاتهامات".

"حراس القرى"
وعلى صعيد متصل، أفادت تقارير صحافية، أن أردوغان وظف ميليشيا "حراس القرى" التي تأسست في عام 1985 على يد الدولة التركية، والمعروفة باسم "قروجي"، في كبح جماح الأكراد، حيث يتم استخدامها كعصا غليظة في مواجهة المحتجين الأكراد، ناهيك عن دور معتبر لهذه الميليشيا في تأمين النفوذ السياسي لحزب العدالة والتنمية وقت الاستحقاقات الانتخابية، فعلى سبيل المثال فاز الحزب بعدد كبير من بلديات المناطق الكردية في مارس (آذار) 2019، بفعل تدخل "حراس القرى"، وسيطرتهم على معظم صناديق الاقتراع التي كانت تُنقل إلى أماكن سيطرتها.

وبحسب تقارير صحافية، وفر نظام إردوغان الحماية لميليشيا الحراس من الملاحقة القضائية، إذ تتولى السلطات التركية الدفاع عنهم، وعندما يتم تحريك شكوى جنائية تدين الميليشيا وتفضح جرائمها، يتولى مكتب حاكم المحافظة التي تتبع له الميليشيا بدفع الرسوم القانونية نيابة عن المتهم منهم وتتولى الدفاع عنه قانونيا، خاصة أنه أصبح متاحا لهؤلاء الأشخاص الالتحاق بالقوات المسلحة والارتقاء إلى رتبة ضابط.

وتقول الناشطة الحقوقية نورجان بايسال، إن "الصلاحيات والامتيازات التي منحتها أنقرة لهؤلاء القتلة، دفعهم إلى التمادي أكثر لتصفية حسابات شخصية والاستيلاء على أراضي وممتلكات المعارضين للحكومة، ما يدفعهم للفرار إلى المدن خوفا على حياتهم".

حملة قمع واعتقالات
ومن جهة أخرى، شنت الحكومة التركية موجة اعتقالات جديدة ضد صحافيين أتراك إثر تغطيتهم للاحتجاجات التي اندلعت جرّاء عزل رؤساء البلديات الكردية، ورغم مطالبة منظمات دولية عديدة بالإفراج عنهم وعن كافة الصحافيين المعتقلين بسبب أدائهم لعملهم، إلّا أن الحكومة التركية لم تبد أي استجابة لهذه المطالب.

ودعا المعهد الدولي للصحافة، الحكومة التركية إلى الإفراج الفوري عن 9 صحافيين ألقي القبض عليهم في حملة بمناطق مختلفة من البلاد هذا الأسبوع، بينهم 6 صحافيين اعتقلوا أثناء تغطيتهم أحداث قمع السلطات للاحتجاجات التي خرجت رداً على عزل الحكومة رؤساء البلديات الكردية.

وتؤكد هذه الإجراءات التعسفية ضد رؤساء البلديات الكردية أن الدولة التي تحتل مراكز متأخرة في ترتيب سيادة القانون في القرن الحادي والعشرين ستتأخر أيضاً في مجال الحريات وحقوق الإنسان، ولكنها ستتقدم في توزيع الاتهامات الوهمية، والانحصار في الدعاية السوداء التي تهدف إلى تخويف جماهير سئمت أداء الرئيس وحزبه، وتشويه المعارضين لتفصيل المشهد السياسي على مقاس طموحات حزب العدالة والتنمية ونخبه الضيقة.

وبحسب خبراء، لم تثن الأزمات التي أقحم الرئيس التركي بلاده فيها، عن حملة القمع المتواصلة التي يقودها ضد معارضيه واعتقل خلالها آلاف العسكريين والمدنيين واصدر أحكاماً بالسجن بحق صحافيين تحت ذرائع واهية.

ويجدر الإشارة إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي، الجناح السياسي المعبر عن الأكراد، تعرض لحملة قمع شديدة في الأعوام الأخيرة، فعشية الانقلاب الفاشل في يوليو (تموز) 2016 تم توقيف رؤسائه ونواب ينتمون إليه، وفي الصدارة منهم رئيس الحزب صلاح الدين دميرتاش المعتقل منذ ديسمبر (كانون الأول) 2016 بتهم زائفة برئته منها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

نكسات مستمرة
وتتسع قاعدة الأصوات المعارضة لأردوغان سواء داخل تركيا أو خارجها على نحو غير مسبوق فيما يتجاهل الأخير عمداً ما يجري من أزمات داخل تركيا ويحاول التملص من مسؤوليته عن تدهور الاقتصاد التركي بإلقاء اللوم على جهات خارجية يتهمها بالتآمر ضده ويواصل التصرف كشخص مصاب بجنون العظمة مع إصراره على تحقيق أطماعه الشخصية.

ويعاني أردوغان، اليوم من نكسات على جميع الجبهات السياسية ويواجه أيضاً ركوداً اقتصادياً متصاعداً، ويرى مراقبون، أن أردوغان يعتمد على طريق "الهروب الراسخ" في السياسة التركية، وهو: "جعل القضية الكردية مشكلة إرهابية وقمع ممثلي الكرد كلما أمكن ذلك"، بينما يستمر تعنت أردوغان ورفضه الإصغاء لأي دعوة تهدف إلى حثه على تغيير سياساته الاستبدادية ضد الأصوات المناوئة له.