الإثنين 26 أغسطس 2019 / 13:15

تناحر داعش والقاعدة.. هزيمة مزدوجة

قاد الانقسام بين داعش والقاعدة لتناحر يعتبره كلاهما لعبة خاسرة بطبيعتها، حيث ما يحققه أحدهما من تقدم يؤشر لهزيمة الآخر.

على المدى البعيد، يمكن للقاعدة أن يصبح شبيهاً لحزب الله في لبنان – كلاعب عنيف غير رسمي عزز شرعيته السياسية فما لا يزال يحتفظ بقدرته على شن عمليات واسعة النطاق من الإرهاب

 ومن أحد أسباب مثل هذا التناحر المحموم تشابه عقيدة وأهداف التنظيمن. فقد استخدم داعش مستويات شديدة من العنف كطريقة لتمييز نفسه عن منافسيه، ومنهم القاعدة. ويحاول التنظيمان تجنيد أنصار من نفس الأوساط والدوائر الانتخابية.

وتتلخص الفروق الرئيسية بين التنظيمين، حسب كولين كلارك، باحث بارز لدى مركز صوفان، وعالم سياسي مساعد لدى مؤسسة راند للأبحاث، في سعي داعش لإقامة خلافة في وقت اعتبره القاعدة مبكراً. كما طبق داعش أجندة أكثر طائفية في محاولة لتحقيق أهدافه.

وحسب ما عرضه كلارك، ضمن موقع ناشونال "إنترست"، سيكون لتلك الخلافات أثر كبير وواضح على مستقبل الحركة الجهادية ككل.

تشابه مع العصابات
ويلفت كاتب المقال لحدوث خلافات على مستويات قيادية لهذين التنظيمين، ولذا من أهم الأسئلة التي يجب طرحها: إلى أي مدى يولي مقاتلون وقادة متوسطو المستوى أهمية لذلك التناحر والخلافات الاستراتيجية؟.

وحسب الكاتب، يبدو أن ما يجري بالنسبة لبعض المقاتلين العاديين أشبه ما يكون بحرب عصابات الشوارع، حيث يرتدي أفرادها ملابس بألوان تميزهم عن منافسيهم، ويسعون للسخرية من خصومهم وتهديدهم عبر الإنترنيت. وقد ظهرت شدة هذا التشاحن عبر وسائط التواصل الاجتماعي، حيث تبادل قادة التنظيمين الشتائم والاتهامات، وخصوصاً بأنهم من "المسلمين الأشرار". وجاء الهجوم الأولي من قبل زعيم القاعدة ذاته، الظواهري، الذي اعتبر داعش تنظيماً منحرفاً عن منهجية القاعدة.

ويستعرض الكاتب بداية ذلك الخلاف وتعمقه في منتصف العقد السابق، ومن ثم تحوله إلى صراع داخلي خلال السنوات الأولى للحرب الأهلية السورية. وإثر ذلك الخلاف، عمل القاعدة بدأب على إعادة تأسيس نفسه كعامل رئيسي في بلاد الشام. ولتحقيق ذلك، اضطر للتغلب على عدة نكسات تتعلق بتماسكه ووحدته التنظيمية.
  
حضور أولي
ويلفت كاتب المقال لظهور القاعدة الأولى في سوريا عبر فرعه جبهة النصرة، فرع داعش سابقاً في العراق. وفي منتصف 2016، غير تنظيم جبهة النصرة اسمه إلى "جبهة فتح الشام" واندمج لاحقاً مع تنظيمات إرهابية أخرى وشكل "هيئة تحرير الشام" مظلة جهادية أبعد قادتها أنفسهم أكثر فأكثر عن القاعدة.

وحسب الكاتب، شكل القاعدة، بحلول منتصف 2018، فرعاً له في سوريا باسم "حراس الدين"، يقوده قدامى المحاربين في القاعدة قد يستخدمون سوريا كقاعدة لإطلاق هجمات إرهابية ضد الغرب.

وباعتقاد الكاتب، جاءت عملية إعادة تشكيل فرع للقاعدة في سوريا من باب الضرورة، لكنها كانت عملية استراتيجية في طبيعتها. ومن الناحية البراغماتية، تفيد إعادة التسمية لوضع مسافة بين القاعدة ومجموعة من المنافسين المقلدين لنهجه. كما يشير هذا المسعى لتعلم القاعدة دروساً من أخطاء سابقة، عندما امتنعت قيادته عن التنصل علناً من الزرقاوي في العراق، ما ساهم في انشقاق داعش ما شكل لاحقاً، عام 2014، تهديداً وجودياً للتنظيم.

بديل معتدل
ويرى كاتب المقال أن القسم الاستراتيجي من التسمية الجديدة لفرع القاعدة في سوريا يوحي بأن التنظيم يحاول تقديم نفسه "بديل معتدل" لداعش. فقد تمثل داعش بالخلافة وباعتماده على عنف جنوني، في حين سعى القاعدة لوضع نفسه كتنظيم أكثر مهارة في التخطيط الاستراتيجي، ومع آفاق أكثر جاذبية لنجاح مستدام في المستقبل.

ورغم اعتبار عدد من الباحثين في مجال مكافحة الإرهاب أن إعادة التسمية مجرد خدعة، لربما ساعده في إعادة تشكيل صورة تنظيم القاعدة داخل سوريا. وهكذا فيما هدد بروز داعش وجود القاعدة في مرحلة ما، مثل أيضاً فرصة للأخير. فقد جاء قرار القاعدة المدروس للنأي بنفسه عن داعش كمسعى لتصوير نفسه كقوة مشروعة قادرة ومستقلة في الحرب الأهلية الجارية في سوريا. كما سعى القاعدة لأن يثبت أن مقاتليه يكرسون جهودهم لمساعدة السوريين على الانتصار في نضالهم. وأخيراً، سيوفر ذلك للقاعدة قدراً من الإنكار فيما يمهد الطريق لحلفائه السابقين للحصول على الأهلية من أجل تلقي مساعدات عسكرية من مجموعة من الدول الخارجية.

شبيه بحزب الله
ويقول الكاتب إنه بعد فقدان داعش خلافته، قد يكون القاعدة هو التنظيم الوحيد القادر عسكرياً على تحدي سلطة الحكومة السورية، رغم أنه، حتى منتصف 2018، بدا ذلك أمراً بعيد المنال. وقد يثبت القاعدة أنه يمثل تهديداً طويل الأمد للاستقرار في سوريا. ولكن ينظر إليه، على خلاف داعش، ككيان مستعد للعمل مع السكان، ولديه الموارد اللازمة لتوفر بعض مظاهر الحكم. وعلى المدى البعيد، يمكن للقاعدة أن يصبح شبيهاً لحزب الله في لبنان – كلاعب عنيف غير رسمي عزز شرعيته السياسية فما لا يزال يحتفظ بقدرته على شن عمليات واسعة النطاق من الإرهاب والعنف السياسي.