لوحة لأسامة بعلبكي (أرشيف)
لوحة لأسامة بعلبكي (أرشيف)
الإثنين 26 أغسطس 2019 / 20:31

لغة الأزرق

أسامة بعلبكي في معرض أكواريل في صالة أجيال. ليس الأكواريل بعد وفاة موسى طيبا وأمين الباشا وقبلهما عمر الأنسي دارجاً اليوم.

أكواريل أسامة نوع من استكمال التجربة. أسامة لا ينفذ إلى الاكواريل من الزيت ولا إلى لوحته من مراوغة اللون المائي

التصوير للزيت والباستيل والأكواريل من هذه الناحية أقل رتبة ولسنا نجد بعد صالة تحتفي بهذا الفن أو تتجرأ على تقديمه. أسامة بعلبكي وصل إلى هذا الفن بعد مغامرة طويلة مع الباستيل والزيت، والحق أن عمله هذا جريء ومختلف، فأكواريل أسامة بعلبكي الشاب لا يمت الى تجربة الأكواريل اللبنانية، لسنا نجد هنا أكواريل عمر الأنسي الذي يمت إلى ترنر ولا أكواريل موسى طيبا المحكم والمتين الى درجة تذكر بالزيت والباستيل، ولسنا هنا أمام تجربة أمين الباشا التي تمت إلى ماتيس وديفي والتي تقدم لوحة سردية، اللعب بالألوان والأشكال فيها بارز وقوي.

أكواريل أسامة نوع من استكمال التجربة. أسامة لا ينفذ إلى الاكواريل من الزيت ولا إلى لوحته من مراوغة اللون المائي، إذ لا نملك، ونحن نرى أكواريل أسامة بعلبكي، أن نفكر بالزيت والباستيل. أسامة يمارس الأكواريل ولا يتهرب منه أو يتحايل عليه، يمارس الأكواريل في لهفة إلى تحقيقه وإلى تقديمه كأكواريل. خاصيات الأكواريل هنا مقصودة ومتوخاة. المصور لا يبحث في لوحاته عن فن كامل ولا عن فن يتهرب من خواصه ويعمّم مادته وينمذجها.

لوحة أسامة بعلبكي الذي يزاول التصوير كمغامرة وكبحث متواصل وكاستظهار آخر لطبيعة المادة وخاصياتها. إنه يهجم على الأكواريل في لوحات تشي جميعها بأنها مساءلة للأكواريل ومحاولة للوصول إلى أدق إمكانياته وأكثرها خصوصية.

يمارس بعلبكي الأكواريل وفي باله خفة الأكواريل وسيولته وشفافيته بل ومائيته. هدفه الأول إبراز ذلك وتأديته واستخلاصه، وإذا ذهب إلى الأكواريل بعد الزيت والباستيل وسواهما فإنه هنا يحتفل بالألوان المائية، وذلك في جانب منه يوحي بأنه يريد أن يقدم مثالاً للأكواريل بل أنه في معرضه يقدم نموذجه الخاص للأكواريل، وهو نموذج يستنزف الأكواريل ويلامس حافاته ويستنفذ طبيعته.

بكلمة فإن أسامة بعلبكي يصنع أكواريله الشخصي لكن بدون أن يتخلى أن نهايات الأكواريل وآفاقه، فمحاولة أسامة بعلبكي هي في آن واحد مزج الشخصي بالمثالي، ومحاولته هي أيضاً اختبار المادة واستنفاذ إمكانياتها.

مهمة جداً مغامرة أسامة بعلبكي الأكواريلية. مهم جداً أن أسامة يعيد قول أشيائه بلغة أخرى والحق أن أسامة يستعين بالأكواريل كلغة أخرى، ففي معرضه هذا نجد ان المادة لا تني تظهر طبيعتها ويمكننا أن نتكلم مطولاً عن هذه الناحية وأن نجعل منها محل اختبارنا، لكن المهم أيضاً أن ندرك أن أسامة بعلبكي وهو عاكف على إبراز مثاله الأكواريلي لا يبتعد عن لوحته. الأكواريل يعينه هنا على أن يكمل "بالتشديد على الميم" لوحته، وأن يضيف إليها اختباراً آخر للموضوع وللتقنية، الأكيد في المعرض هو أن المادة تصل الى أن تكون موضوعاً وهي مع ذلك تبقى لوحته فمن يرى معرض أسامة بعلبكي الحالي يجد أنه نظرة أخرى لما تجلى في معارضه السابقة. اللوحة هنا أيضاً اثنتان.

إنها مزج مانوي بين المعتم النهاري والمضيء الليلي، وهي مرة أخرى عالم ميزانه الصدمة والتكامل بين لوحتيه وموضوعيه. في هذا المعرض نرى مجدداً لغة ثانية فالفنان اذ يقلب الليل نهاراً والنهار ليلاً، يفعل ذلك وكأنه يؤديه بلغة جديدة. نشعر أحياناً أن الأزرق الذي هو لون غير طبيعي أساس هذه اللغة الثانية، لكن الأزرق ليس واحداً، إنه أزرق يُعتم ويسود وينير بل هو يتخشب ويصدأ، وفي كل الأحوال هو معرّض لأن يكون ألواناً شتى في هذه البانوراما التي تحدث من درجات الأزرق واستحالاته.