صاروخ يشق السماء بين علمي إسرائيل وحزب الله (تعبيرية)
صاروخ يشق السماء بين علمي إسرائيل وحزب الله (تعبيرية)
الخميس 29 أغسطس 2019 / 20:29

غارة واحدة في الليلة!

مشكلة نتانياهو أنه لن يتمكن من التحكم في الحرب التي يحتاجها، الوقت ضيق وهو بحاجة إلى "حرب"، حرب صغيرة وسريعة يمكن توجيهها مثل طائرة مسيرة، مثل تلك التي سقطت في الضاحية الجنوبية لبيروت، حرب ينتصر فيها اليهود ولا يموتون، يمكن احتمال موت بعض الجنود من الدروز الفلسطينيين، حرب تمنحه خيار إعلان حالة الطوارئ، وتأجيل الانتخابات التي تواصل استطلاعات الرأي تحويلها الى كابوس.

حرب نتانياهو المدروسة تبدو خياراً محفوفاً بالمخاطر في هذا الحقل المتعدد المترامي المتشابك، وكل يوم يسقط من التقويم، تبقى لديه أقل من ثلاثة أسابيع

ورغم ذلك فالذي حدث في الضاحية الجنوبية لم يكن مخططاً له، لقد خرجت الأمور عن السيطرة هناك بسبب حظ سيء في الغالب.

يبدو أن الفكرة كانت الحصول على "هدف" محدد، عملية اغتيال محكمة وغامضة، ثم إرسال إشارة "للجمهور"، تلميح أو شيء من هذا القبيل الذي أصبح لغة موازية مرمّزة يتقنها الجميع، تلك النقطة التي يمكن منها سماع جمل من نوع "لقد قصفناهم في غرفة نومهم"، وفي نفس الوقت يمكن لحزب الله أن يقول: " التحقيقات جارية، لم نتأكد بعد".

سوء الحظ الذي واكب اختراق الضاحية وضع الحزب أمام خيار وحيد، لقد وصلوا "غرفة النوم" هذه المرة.

الرسالة الأمريكية التي وصلت إلى الخارجية اللبنانية تبدو مضحكة، رسالة تحمل تفسيراً للنوايا "لم يكن الحزب هو المقصود"، وتهديداً "سيرد الإسرائيليون بقوة وسيشمل ذلك كل لبنان".

المساومة الغريبة تكمن في منطقة بين التفسير والتهديد، تحديداً في فكرة "رد مدروس لا يؤدي إلى حرب".

هذا لا ينطبق تماماً على قصف الإيرانيين في طول سوريا وعرضها الذي لم يتوقف، في سوريا يمكن التقدم خطوة، ومنح الاشارة شكلاً أكثر تجسيداً، ولكن في منطقة متفق عليها ستبقى تلك الحركة النهائية التي تكشف كل شيء مؤجلة، بحيث تسمح للروس، حماة النظام ونجمة اليسار العربي التائه، بالصمت والتشاغل بقصف إدلب، ومساومة أردوغان على المنطقة الآمنة، وعدد الأمتار التي يمكن للأتراك الحصول عليها شرق الفرات، إلى حين انتهاء الطائرات من عملها ضمن الاتفاق.

في سياق الحديث عن دور موسكو في أحداث ليلة 24 أغسطس (آب) الماضية، تشير الأخبار القادمة من مصادر عسكرية روسية، حسب موقع "ديبكا" الاستخباري الاسرائيلي، إلى أن الروس منعوا موجةً ثانيةً من القصف، كانت الطائرات الاسرائيلية تستعد لشنها، وأن المقاتلات الروسية أقلعت مباشرة من قاعدة حميميم، وحلقت فوق المناطق الحدودية السورية اللبنانية مع إسرائيل ما أوقف الموجة الثانية.

غارة واحدة في الليلة، لا أكثر، هذا هو الاتفاق.

الخبر جاء في سياق "المنع" ولكنه يحمل في نفس الوقت "تلميحاً" يشي بأن هناك اتفاقاً روسياً اسرائيلياً على غارة واحدة، وأن هذا الحد الذي سمح به بوتين إثر اتصال هاتفي سبق الهجوم بيوم مع نتانياهو.

مثل شرطي مرور يقف الرئيس الروسي في سوريا، يُحدد عدد الطائرات والغارات المسموح بها في الجنوب، بينما يأخذ دور "المسّاح" في الشمال، ويعد أمتار أردوغان.

حرب نتانياهو المدروسة تبدو خياراً محفوفاً بالمخاطر في هذا الحقل المتعدد المترامي المتشابك، وكل يوم يسقط من التقويم، تبقى له أقل من ثلاثة أسابيع، يسحبه من ياقته نحو احتمالات قوية بخسارة الانتخابات، وهو ما سيبدد جهد سنوات طويلة في استثمار، وتجنيد اليمين المحافظ في البيت الأبيض، ومشروع اليمين الفاشي الحاكم في اسرائيل، تقريباً كل الأسس التي انبنت عليها خطة تصفية الموضوع الفلسطيني والتي استغرقت سنوات طويلة، وتطلبت تغيير الإدارة الأمريكية نفسها، وطاقم العاملين في الملف، وصياغة توجه مختلف ورؤية مختلف للصراع، وبناء تحالفات ورأي عام حوله، كل هذا الانجاز الذي لم يكتمل سيتبدد تماماً، والأهم إنهاء مستقبله السياسي، وإلقائه أمام القضاة دون حصانة، في إعادة بالبث الحي لمصير أولمرت، الذي يعكف على كتابة مذكراته بعد خروجه من السجن.