مقاتلون من حماس في غزة.(أرشيف)
مقاتلون من حماس في غزة.(أرشيف)
الأحد 1 سبتمبر 2019 / 19:42

فصل جديد في وقائع موت مُعلن

ظاهرة الدواعش في غزة امتداد عضوي، ونتيجة طبيعية، لبيئة التشدد الديني والأيديولوجي التي خلقتها وكرّستها سلطة حماس

 تعرّض حاجزان لشرطة حماس في غزة، قبل أيام، لهجومين انتحاريين أسفرا عن مقتل ثلاثة من عناصرها. ولعل في حادثة كهذه ما يشعل أكثر من ضوء أحمر، وما يستدعي التفكير والتدبير. فالصراعات الدموية بين الميليشيات المُسلّحة، في غزة، ليست بالظاهرة الجديدة، ولكن اللجوء إلى أسلوب الهجمات الانتحارية لتصفية الحسابات، يُعتبر أمراً جديداً.

وإذا كان ثمة ما يستدعي القبض على دلالات مباشرة، ودون الغرق في تفاصيل كثيرة، فإن في مجرد وقوع هجمات كهذه ما يُفنّد ادعاء حماس بعدم وجود تيارات وجماعات داعشية في غزة. واللافت للنظر، في هذا الشأن، أن التيارات والجماعات الداعشية نشأت في بيئة العنف السياسي والأيديولوجي، التي خلقتها حماس في قطاع غزة منذ استيلائها عليه في انقلاب مسلّح قبل 12 عاماً.

والأهم، أن أغلب الدواعش الجدد في غزة كانوا أعضاء سابقين في حماس وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، وأن التفاحة لم تسقط بعيداً عن الشجرة، كما يُقال. فهؤلاء يقيسون موقفهم من التنظيمات التي نبتوا فيها، وتمرّدوا عليها، بالمسطرة نفسها التي استخدمتها تنظيماتهم الإخوانية الأصلية في تصفية الحسابات مع خصومها، أي بمسطرة العنف السياسي والأيديولوجي، التي لا تفصلها سوى مسافة قصيرة عن عنف الهجمات الانتحارية.

فكما سبق لحماس أن مارست التخوين والتكفير ضد السلطة الفلسطينية، يشهر الخارجون منها وعليها سيف التخوين والتكفير، في وجهها، بدعوى أن حماس، وبقية التنظيمات الإخوانية، انقلبت على أهدافها الأصلية، بعدما أصبحت في سدة الحكم، وأصبحت معنية بالتأقلم مع الاحتلال والتعايش معه، ولا يندر العثور، أحياناً، في مبررات هؤلاء الأيديولوجية على تنديد بقيادة حماس لأنها تسعى "للمصالحة" مع السلطة الفلسطينية، أو تُطلق من حين إلى آخر شعارات تتمسّح بالوطنية. فالوطنية، والسلطة الفلسطينية، أسوأ من الاحتلال، في نظر هؤلاء.

والمفارقة، في هذا الشأن، أن أوّل تعقيب على الهجمات الانتحارية من جانب ناطق باسم حماس، تضمّن اتهاماً صريحاً للسلطة الفلسطينية، ولأجهزتها الأمنية، بتدبير تك الهجمات. وفي سياق كهذا، كان المذكور أميناً للخط السياسي والأيديولوجي لجماعته، التي أنكرت، دائماً، وجود دواعش في صفوفها، أو انقلبوا عليها، كما كان أميناً في التعبير عن بغض يكاد يكون عضوياً للسلطة الفلسطينية، التي ترى فيها النواة الأيديولوجية الصلبة في حماس مصدراً لكل الشرور.

يصعب التنبؤ بالسيناريوهات المُحتملة لحكم حماس في غزة. ومع ذلك، لا يصعب القول إن النتائج، ويقدر ما يتعلّق الأمر بالفلسطينيين شعباً وقضية، كانت مأساوية، وفائضة عن الحاجة، في كل الأحوال. ولا يصعب القول، أيضاً، إن مواطني قطاع غزة، على نحو خاص، قد دفعوا، وما زالوا مرشحين لدفع الثمن الباهظ لصعود جماعات الإسلام السياسي في فلسطين، ونجاحها في الاستيلاء على قطاع غزة.

ومع ذلك، ينبغي التذكير في كل مناسبة بحقائق من نوع أن فصل غزة عن الضفة الغربية يحقق مصحة إسرائيلية، وأن، إسرائيل لا تسعى لتقويض حكم حماس في غزة، بل لتلقينها مبادئ الردع، وأن "انقسام" الفلسطينيين، بالمعنى السياسي والجغرافي، يمكّن الإسرائيليين من ادعاء عدم وجود شريك يمكن التفاوض معه على الجانب الفلسطيني.
وإضافة إلى ما تقدّم، ثمة ما يبرر التذكير بحقائق إضافية:

ظاهرة الدواعش في غزة امتداد عضوي، ونتيجة طبيعية، لبيئة التشدد الديني والأيديولوجي التي خلقتها وكرّستها سلطة حماس. وقد سبق لدواعش نبتوا في صفوفها، وعلى هوامشها، وفي جماعات قريبة منها، أن التحقوا بالدواعش المصريين والأجانب في سيناء لشن هجمات على الجيش المصري، كما سبق لهم الخروج من غزة والالتحاق بالدواعش في سورية. وفي مجرّد أن يصل الأمر إلى حد شن هجمات انتحارية في غزة نفسها ما يعني أن التناقض الفئوي والأيديولوجي هناك قد بلغ حد الانفجار، ولم يعد من الممكن تفاديه بتصديره إلى الخارج.

وفي غزة، التي تعيش تردياً غير مسبوق في مستوى المعيشة، مع تفشي البطالة، وزيادة معدلات الفقر، وانسداد الأفق بالمعنى الفردي والجمعي، وفقدان الأمل، وفي ظل تغوّل سلطة حماس، وهجمات الإسرائيليين، ما يُرشح احتمال تفاقم التناقض بين أجنحة متصارعة، في غزة وعليها، لمزيد من السيناريوهات الكارثية، التي سيكتوي بنارها مواطنون عزّل وأبرياء في كل الأحوال. وبهذا المعنى، يمكن الكلام عن الهجمات الانتحارية الأخيرة، في غزة، بوصفها فصلاً جديداً في وقائع موت مُعلن.