أمهات يحملن صور أبنائهن المفقودين في العراق.(أرشيف)
أمهات يحملن صور أبنائهن المفقودين في العراق.(أرشيف)
الإثنين 2 سبتمبر 2019 / 18:40

المفقودون العرب

لدينا آلاف المفقودين العرب، ولا أحد يعلم إن كانوا أحياء أم أمواتاً، لكن المؤكد أن البحث عنهم لا يعني أحداً سوى الصليب الأحمر الدولي

لدى الصليب الأحمر الدولي قائمة بأسماء أكثر من ثلاثة آلاف مفقود عربي تم الإبلاغ عنهم رسمياً من قبل ذويهم منذ العام 2012، أي منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي.

تبدو قائمة الصليب الأحمر صغيرة وغير واقعية ولا تمثل الرقم الحقيقي للمفقودين في دول الربيع أو غيرها من البلاد التي استطاع الفكر التكفيري اختراق مجتمعاتها، لكن العدد الحقيقي للمفقودين العرب يظل مجهولاً في ظل حالة الفوضى والحروب الداخلية التي تشهدها بلاد الربيع. وإذا كان من الصعب حصر أعداد المفقودين العرب في السنوات القليلة الماضية فإن المؤكد أن الرقم أكبر بكثير من ثلاثة آلاف مفقود مسجل.

بالطبع لا يتفرد العرب بظاهرة المفقودين، فقد سبقتهم شعوب أخرى عانت من هذه الظاهرة ولا تزال تعاني رغم انقضاء عقود على غياب مواطنين اختفوا قسرياً في أقبية وسجون أنظمة قمعية ولم يعرف مصيرهم حتى الآن. ولعل الطاغية التشيلي أوغستو بينوشيه الذي زرعته المخابرات المركزية الأمريكية في سانتياغو بانقلاب دموي أطاح بحكم الزعيم الاشتراكي سلفادور أليندي، أبرز طغاة العصر الذين بطشوا بشعوبهم وأبادوا عشرات الآلاف من مواطنيهم الذين اعتقلوا وماتوا تحت التعذيب أو اختفوا في غياهب المعتقلات المرعبة. ورغم انقضاء أكثر من أربعين سنة على اختفاء أعداد كبيرة من التشيليين ما زالت عائلات هؤلاء الضحايا تبحث عن جثثهم وتنتظر التيقن من مكان وزمان موتهم.

حال المفقودين العرب يختلف عن حال المفقودين والمختفين قسرياً في تشيلي أو غيرها من دول أمريكا الجنوبية، لأن أعداداً كبيرة من مفقودينا اختفت بإرادتها حين التحقت بتنظيمات إرهابية ظلامية اجتاحت المنطقة في العقد الأخير وقدمت نماذج صارخة لوحشية الحكم في المناطق التي تواجدت فيها، وقد رأينا بعضاً من هذه النماذج في الموصل والرقة ومناطق أخرى في الجغرافيا السوداء للانتشار القاعدي والداعشي.

في ثماني سنوات فُقِد الآلاف من المواطنين العرب، في السجون أو في صفوف تنظيمات الإرهاب الظلامي، وقد شكل هؤلاء المفقودون حالة تحولت إلى نوع جديد من أنواع ضحايا الحروب، كالقتلى والجرحى والأسرى واللاجئين من أوطانهم والنازحين فيها.

صار لدينا أيضاً مفقودون لا يبحث عنهم أحد، لأن ذويهم ليسوا معنيين بسؤال القاعدة أو داعش، ولأن أبناءهم ليسوا مهتمين بالسؤال عن آباء غابوا بمحض إرادتهم عن مجتمعات كفروها وأباحوا إبادتها.

الحكومات أيضاً لا تبذل جهداً في البحث عن المفقودين من مواطنيها الخارجين على دولهم وعلى مجتمعاتهم، ولا يعنيها إن كانوا أحياء أم أموات، بل إن دولاً في المنطقة لا تريد عودة هؤلاء إن كانوا أحياء، لأنهم يشكلون خطراً حقيقياً على الدول ويهددون السلم الأهلي فيها.

لذا فإن ظاهرة المفقودين العرب في زمن الربيع الرجعي لا تكتسب أولوية ولا تبدو موجودة على أجندات الحكومات والمنظمات الأهلية. كما أن هذه الظاهرة لا تبدو قادرة على إثارة الاهتمام المجتمعي ولا يحظى ضحاياها بالتعاطف الذي حظي به مفقودون عرب اختفوا في سجون أنظمتهم على خلفية معارضتهم لهذه الأنظمة قبل عقود. ولعل سوريا والعراق اللتين تعانيان أكثر من غيرهما من ظاهرة المفقودين الجدد، كانتا في السنوات السابقة من أكثر الدول العربية التي عانت من حالات الاختفاء القسري للمواطنين، لكن اؤلئك المختفين كانوا معتقلين سياسيين معارضين لهم حضور في الشارعين السوري والعراقي، وكان هناك من يسأل عنهم، ومن يضغط لإطلاق سراحهم وتمكينهم من الحرية.

لدينا آلاف المفقودين العرب، ولا أحد يعلم إن كانوا أحياء أم أمواتاً، لكن المؤكد أن البحث عنهم لا يعني أحداً سوى الصليب الأحمر الدولي الذي يسأل الآن عن المفقودين الدواعش ولم يسأل في السابق عن مفقودين يساريين أذاب الأسيد أجسادهم.