قيادات من الإخوان المسلمين.(أرشيف)
قيادات من الإخوان المسلمين.(أرشيف)
الثلاثاء 3 سبتمبر 2019 / 18:53

جهادُ المصريين ضد الجهل والطائفية والإخوان

تعلّم المصريون الدرس الأهم في تاريخهم. أن تلك الجماعات التكفيرية لا تمثّل إلا نفسها، ولا تُمثل جموع المسلمين في العالم. وأن مواجهتها واجبٌ وطني

بات العالمُ اليوم يعلم علمَ اليقين أن الإخوان وحزب النور المصري، وما يشابههما من أحزاب دينية إقصائية في دول العالم، وتيار الإسلام السياسي والتكفيريين، جميعهم تنويعاتٌ مختلفة على نغمة نشاز واحدة تكره العلم والفنون والحياة وتكره (الآخر) أيّا كان هذا الآخر من بني البشر، بقدر ما يكرهون فكرة "الوطن" في المطلق.

ولهذا، كاد مرسي والإخوان في شهور قليلة، بعد اقتناصهم عرش مصر، أن ينجحوا في تمزيق النسيج المواطني المصري، وغرس بذور الفرقة بين المصريين، وهو ما لم تنجح فيه إسرائيلُ بقوتها وعدّتها وعتادها طوال عقود وعقود. وكان الإخوان آنذاك يحققون نهج إسرائيل الأثير (فرِّقْ تَسُد)؛ حيث قال "أودينون"، المفكرُ الصهيوني الشهير: نجاحُ إسرائيل لن يعتمد على القنبلة النووية، لأنها تحمل في طياتها موانع استخدامها، بل سننجح بتمزيق الدول العربية إلى دويلات متناحرة على أساس ديني وطائفي، ونجاحنا في هذا لن يعتمد على ذكائنا، بل على غبائهم". 

وبالفعل، شهدنا على يد الجماعة الإرهابية ما بشّر به أودينون قبل عقود طوال. 
وسرعان ما أدرك المصرييون الحيلة الخبيثة، فنفروا من الجماعة الدموية ورفضوها حاكمًا لمصر، وتوحّد الشعبُ مع الجيش، ومؤسسات الدولة المصرية كافة، على هدف واحد هو استرداد مصر من أيادي الخائنين. ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، كان لابد أن تذوب أمامه الاختلافات الحزبية والفكرية والعقدية. فوقف الجميعُ يدًا واحدة ذات بأس وذات عزّة، صفعت وجه الإخوان الأسود، ودحرته في 30 يونيو 2013، ثم في 3 يوليو، ثم في 26 يوليو من نفس العام. والعُقبى للحظة نصبو إليها حين تتطهر جميعُ مؤسساتنا المصرية من سموم الإخوان التى مازالت ترعى فى خبيئة المفاصل، حتى يصفو لنا وجهُ مصر رائقًا مُصفّى.

تعلّم المصريون الدرس الأهم في تاريخهم. أن تلك الجماعات التكفيرية لا تمثّل إلا نفسها، ولا تُمثل جموع المسلمين في العالم. وأن مواجهتها واجبٌ وطني، حتى لا تنطفئ شعلةُ المحبة بين المصريين مسلمين ومسيحيين، لأن بيننا كشعب واحد ميثاقًا غليظًا لا ينفصم. وحين أفتى الإخوان وأشباههم بعدم جواز تهنئة المسيحيين في أعيادهم، انهالت ملايين المعايدات من مسلمي مصر لمسيحيي مصر في أعيادهم في عام الإخوان، رغم أنف الكارهين. وخرجت حشود المصلين من مسجد عمر مكرم متجهة نحو الكاتدرائية ونحو كنيسة قصر الدوبارة لتهنئة أشقائهم.

علّمنا الإخوان في مقالاتنا وعلى صفحاتنا وفي شوارعنا أنه من المخجل أن يجعلوا من أنفسهم آلهةً كما فعل تجار الدين فى القرون الوسطى في أوروبا، وكما تجار الدين الراهنين من الإخوان والوهابيين ومن سلك مسلكهم في جميع انحاء العالم. فأولئك هم الأقل عقلاً وإيماناً والأكثر غروراً وخمولاً، والأبعد عن الله الذى منحنا، بمنتهى التحضّر، الحريةَ كاملة غير منقوصة فى أن نؤمن به أو نكفر، وله "وحده" حقّ الحساب وحقّ الغفران أو الإدانة.

وكانت كلمة "لا"، هي أشرف كلمة قالها المصريون في وجه الإخوان. لأننا رفضنا أن يحكمنا خائنٌ كذوب. ولم نعبأ بتهديدات عشيرته بإشعال مصر ولم نخف من نذيرهم الأسود إن لم يعد خائنٌ عزلته إرادةُ الشعب. بل تذكّرنا حكمةَ جدّنا المصرى القديم الخالدة التي تقول: (لا تخفْ يا بُنى، فالحاكم الذى قاعدةُ قوته تأييدُ الشعب؛ أقوى من ذاك الذى يعتمد على قوة السلاح). فلم نخف لأن وراءنا جيشًا عظيمًا يحمي ظهورنا مثلم يحمي ناصية جبهتنا، وأمامنا تجربةً مُرّة لم ننسها ولن ننساها.

وكان الإخوان سطرًا غائمًا كتبه قلمُ "كوبيا" رخيصٌ ردىء الصنع على ورقة بالية، ضمن دفتر تاريخ مصرَ الذي حجمه آلاف الأوراق. كلُّ ورقة بعام مما يعدّون؛ فلا يضيره تمزيقُ ورقة بالية كُتبت بخطٍّ رديء.

ولكي لا تعاود تلك الورقةُ المظلمة الظهورَ بين أوراق دفترنا، علينا ألا ننسى مرحلةَ الظلام الدامس التى عشناها فى ظل الإخوان، والدمارَ الشامل الذى كان ينتظرنا لو أكملنا معهم، لا سمح اللهُ. علينا ألا ننسى نعمة "الأمان" التى نعيشُها اليوم، على عكس ما مضى وما كان سيكون.

وعلينا الآن خوض المعركة الكبرى، بعدما انتصرنا في المعركة الصغرى. أستعير هنا مقولة رسول الله عليه الصلاة والسلام، عن الرجوع من الجهاد الأصغر، وهو المعارك والفتوحات، إلى الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس عن الدنايا والصغائر من أجل الترقّي والتحضّر والسموّ. جهادنا الأصغر أسقط الإخوانَ وحرر مصر. وأمامنا الآن جهاد أكبر وأخطر وأهم، وهو جهاد التنوير في المجتمع المصري. لأن (الجهل) هو العدو الرابض داخلنا، وهو الذي جاء بالإخوان لحكم مصر. علينا الآن تحرير جسد مصر الطيبة من هذا العدو الكامن في شرايينها ويسري فيها مسرى الدم: الجهل. على كل مثقف الآن، فرضُ عين، لا فرض كفاية، أن يعمل على تنوير المجتمع واجتثاث "جذور الجهل" التي لو بقيت جذوتُها تحت الرماد، فسوف تأتي لنا بمرسي جديد، ومرشد جديد، وإخوان جدد، وداعش جديد، لا سمح اللهُ ولا قدّر. لن ننجو من تلك الدائرة الجهنمية أبدًا، إلا بوأد هذا الصنم المخيف: الجهل.