ستيكر.(أرشيف)
ستيكر.(أرشيف)
الثلاثاء 3 سبتمبر 2019 / 18:39

أبطال الستيكر

قد تصبح الستيكرات لغة المخاطبات الحديثة التي تختصر الكثير من الكلام الغثيث والمُنمق بلا فائدة، هي الهيروغليفية الجديدة في عالمنا، حيث يستعيض المتحدث عن الجملة العديدة بصورة تحمل دلالات تعبيرية

لا أعلم إن كان مشاهير الفن والغناء والوعظ والرياضة والسياسة يعلمون أن صورهم صارت ستيكرات تُغني عن جُمل كثيرة وتختصر الكثير من الجهد في سباكة المعاني وصياغة الكلمات، هذه الستيكرات هي كوميديا الشارع بعيداً عن أي رقابة معنوية أو قانونية، هي عفوية شعبية ووجهات نظر ساخرة في أبطال الستيكرات.

تُشبه الستيكرات التوقيعات العربية القديمة التي كانت تختصر ردوداً بليغة تُغني عن تكلف الإنشاء والنظم والرد، والتي كان أبطالها الخلفاء والأمراء وأصحاب البيان، أذكر أننا درسنا بعضها في المنهج المدرسي لمادة اللغة العربية في المرحلة الثانوية. عرّف شوقي الضيف التواقيع في كتابه (تاريخ الأدب العربي) بأنها عبارات موجزة بليغة وقع بها ملوك الفرس وخلفاء ووزراء بني العباس وكانت تشيع بين الناس ويحفظها الكُتّاب، وأشهر من وقّع بها البرامكة في ردودهم، ووقع هارون الرشيد في البرمكي بعدما انقلب عليه فقال (أنبتته الطاعة وحصدته المعصية)، ووقع المهدي إلى واليه في ولاية خرسان في مسألة جاءته من هناك (أنا ساهر وأنت نائم)، ووقع زياد بن أبيه في رجل نصحه (بعض الصدق قبيح)، فيمكن تخيل هذه الجمل كستيكرات قديمة تؤدي غرض الإجابة ببلاغة كبيرة.

قد لا تعرف من صنع الستيكر، ولا من أين اقتبس التعليق، وقد لا تعرف مناسبة التعليق، لكن ما ستعرفه أنه يناسب بضعاً وعشرين رداً شافياً ومُلجماً مختصراً، شخصياً لا أعرف كيف أصنع ستيكراً ولا أعرف سوى قصص قليلة لنشأة بعضها، أحدها ستيكر لأحد الأصدقاء تحته تعليق "اعمل ريستارط"، والذي يختصر حال صديقنا الذي يعمل في إحدى شركات الحاسوب والذي كلما سألناه عن مشكلة تقنية أجاب بقوله "أعد تشغيل الجهاز".

هناك مُطرب مشهور يبدو أنه أدرك أن صوره على ظهر ألبوماته القديمة صارت ستيكرات كوميدية بأوضاع مختلفة، فما كان منه إلا أن أعلن مُسامحته لجميع من تداولها بدون إذنه، من التعليقات المُصاحبة لصورته "وبعدين مع هذا الخِبل" و"جوفوا لي حل مع هذا المخلوق"، وهناك تعليقات خادشة لا يمكن ذكرها هنا. كذلك رأينا ستيكرات للفنان الكبير عادل إمام، وهي مقتبسة من أفلامه وهو يقول "طيب" وهو يشرب العصير، أو يقول "إنت تخرس خالص" أو "لا يا شيخ".

من الممكن أن تكون لبعض هذه الستيكرات تبعات قانونية بسبب تضمن بعضها لسب وقذف لصاحب الصورة، هذا في حال عرف أصحابها أن صورهم هي "المُفضلة" في قروبات "الوتس أب"، فكم من نائمٍ أو غافلٍ لا يدري ما يدور في مجموعات الدردشة. بعيداً عن هذا الجانب الذي له أهله ومتخصصوه، يمكن اعتبار بعض الستيكرات نقداً لاذعاً لصاحب الستيكر، حيث أنه يُمثل صورته في أذهان بعض الناس، فبعضها يدل على نفاقه وكذبه وتلونه عندهم، وبعضها الآخر يدل على جُمل يكررها من حيث لا يدري في كل محفل حتى صارت علامة دالة عليه، وبعضها يُمثل إعجاب أو تهكم لردوده القاصمة أو وعوده الحالمة.

قد تصبح الستيكرات لغة المخاطبات الحديثة التي تختصر الكثير من الكلام الغثيث والمُنمق بلا فائدة، هي الهيروغليفية الجديدة في عالمنا، حيث يستعيض المتحدث عن الجملة العديدة بصورة تحمل دلالات تعبيرية ومجازية غنية، بالتأكيد ستكون مهمة علماء اللغة بعد مئات السنين تفكيك وقراءة هذه الستيكرات، تماماً كما حدث مع الهيروغليفية المصرية القديمة، فلغة التواصل اليوم -أيما كانت- هي أنثروبولوجية اللغة في الغد.