مناصرو حزب الله يستمعون إلى خطاب زعيم التنظيم الإرهابي (أرشيف)
مناصرو حزب الله يستمعون إلى خطاب زعيم التنظيم الإرهابي (أرشيف)
السبت 7 سبتمبر 2019 / 20:44

جر الوطن إلى معركة الطائفة

نتنياهو لا يريد تصعيداً يعكر على إعادة انتخابه، والسبب حتماً ليس الخوف من تهديدات حسن نصر الله وخطابه العاطفي وخطبه الرنانة

تنفس كل من يُحبون لبنان الصعداء عندما انتهت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في الأيام الماضية إلى أن اكتفى الجيش الإسرائيلي بأن ضرب حقولاً فارغة بعيدة عن المدنيين. هذه الضربات كانت أيضاً بعيدة عن القواعد العسكرية، وعن كوادر حزب الله كذلك، لأسباب وحسابات سياسية.

لقد خشينا على البلد الجميل أن تكون حرباً كحرب 2006 لكن بعد تراجع الخطر قليلاً حق لنا أن نسأل: لماذا فعل الإسرائيليون هذا؟ إنه لشيء ثقيل فعلاً أن تقوم حرب جديدة على لبنان الذي يُعاني أصلاً من مشكلات من كل نوع بدون تلك الحرب، وإنه لخبر سعيد أن المعركة لم تحدث، لكن السبب في عدم قيامها هو بلا شك عدم وجود الرغبة عند الإسرائيليين في خوض حرب شاملة في فترة قريبة جداً من الانتخابات الإسرائيلية العامة في 17 سبتمبر، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يريد تصعيداً يعكر على إعادة انتخابه، والسبب حتماً ليس الخوف من تهديدات حسن نصر الله وخطابه العاطفي وخطبه الرنانة.

مشاغبات حزب الله الجديدة وتهديد حسن نصر الله بأنه سيحارب إسرائيل من "لبنان" تتسق وتجري في مضمار واحد مع إعلان الحشد الشعبي العراقي بأن كل الفصائل الشيعية في "العراق" قد اتفقت على أنها سوف تقاتل مع الجمهورية الإيرانية في حال دخولها الحرب. لماذا زج حسن نصر الله باسم "لبنان" بهذه الصورة؟ لماذا قال إنه سيحاربهم من لبنان؟ من الذي جد عما يحدث خلال السنوات الماضية؟

الزج باسم لبنان كدولة، ليس سوى محاولة من محاولات ومناورات سياسية لتخفيف الضغط على إيران كدولة، فعندما تتحمل عبء الحصار والتهديد والمقاطعة ثلاث دول أو أربع يكون الأمر أسهل مما لو كان على دولة واحدة تقف لوحدها. لذلك رفعوا تلك الشعارات، شعارات تنادت بها الجموع السائرة من عامة الناس، لكن المواطن اللبناني يعرف جيداً في قرارة نفسه أن كل "قبضايات السيد" الذين سيهتفون باسم السيد ويفدّونه بأرواحهم في حال السعة، سوف يهربون عندما يبدأ القصف نحو الملجأ، وسيكون الخاسر الأكبر هو لبنان، وأناس كثير لا علاقة لهم بإيران ولا بحروب إيران.

هل انتهت الأزمة عند هذا الحد، أم أن فتيلها لا زال مشتعلاً كسيجارة ألقيت ولم تُطفأ؟ في الثلاثاء 3 سبتمبر أعلن الجيش الإسرائيلي عن أنه اكتشف مصنعاً سرياً يقوم بتطوير الصواريخ إلى صواريخ دقيقة في بلدة النبي "شيت" بوادي البقاع، ثم صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأن هناك مصنع آخر للصواريخ غير مصنع البقاع، وأن على لبنان أن يتخلص من مصنع الصواريخ هذا وإلا فإن الضربة الإسرائيلية بمباركة أمريكية قادمة لا محالة.

لم يمر هذا الخبر إلى اللبنانيين عبر السفارة الأمريكية كالمعتاد، بل إن بومبيو أخبر وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بهذا مباشرة بحكم علاقته القوية مع حسن نصر الله، لكن إقحام اسم لبنان بالطريقة التي أقحم بها من قبل الجميع، يبقى مستفزاً، وكأنهم يُريدون من اللبنانيين العاديين بمجرد سماع هذا الإعلان عن وجود مصنع تطوير الصواريخ هذا، أن يقوموا بمواجهة حزب الله بترسانته الرهيبة، وأن يتولوا بأنفسهم إغلاق ذلك المصنع. هذه سذاجة في التفكير لم تنجح في غزة ولن تنجح في لبنان حتماً.

إنه لشيء محزن حقاً أن يجر لبنان، والعراق أيضاً، ليُشاركا رغماً عنهما في معركة الطائفة، وكأن التعليم خلال المائة سنة الماضية لم يحدث فينا أثراً نحن العرب، فلا زلنا نهتف باسم الوطن ونحن لا نعرف المعنى الدقيق لتلك الكلمة. لا زالت أكثر مجتمعاتنا حضارة وثقافة وقراءة، برغم القراءة، تفكر بعقلية القرون الوسطى.