الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.(أرشيف)
الأحد 8 سبتمبر 2019 / 14:40

أردوغان بين المطرقة والسندان

عددت الخبيرة في شؤون الطاقة والاقتصاد كورنيليا ماير سلسلة من الأسباب التي تجعل تركيا في موقف صعب جداً لحل مشاكلها الداخلية والإقليمية والدولية. وكتبت في صحيفة "ذي اراب نيوز" السعودية أنّ تركيا تقع على المدخل الفاصل بين الشرق والغرب، ثقافياً واقتصادياً وسياسياً.

منذ انقلاب سنة 2016، نظرت الدول بقلق متزايد إلى الحكومة التركية تقيّد هذه المبادئ والحريات المدنية

 تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي منذ سنة 1952. وعلى الرغم من ذلك، تعاني تركيا من علاقة مضطربة مع جارتها اليونان وهي أيضاً عضو أطلسي. لم يساعد ضم شمال قبرص على تحسين العلاقة المحفوفة بالمشاكل بين البلدين اللذين يحاولان في أوقات متفرقة حل المسألة القبرصية بمساعدة الأمم المتحدة. وتضيف اكتشافات الغاز الحديثة في شرق المتوسط عنصراً اقتصادياً إلى التوتر.

الانضمام إلى أوروبا.. مؤجل للأجيال القادمة؟

تستورد تركيا من الاتحاد الأوروبي 50% من إجمالي وارداتها مع صادرات تبلغ 36%، وبذلك يصبح الاتحاد أكبر شريك تجاري لتركيا. على الورق، لا يزال لديها خطط للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أمر تتناقص احتمالية أن يراه المراقبون الحاليون في حياتهم. وتضيف ماير أنّ الاتحاد يعطي أهمية كبيرة للديموقراطية وحرية التعبير والصحافة. منذ انقلاب سنة 2016، نظرت الدول بقلق متزايد إلى الحكومة التركية تقيّد هذه المبادئ والحريات المدنية.

حين خافت أوروبا من تدفق اللاجئين السوريين عبر شرق البلقان سنة 2016، توصل الاتحاد إلى اتفاق مع تركيا كي تستقبل اللاجئين في مقابل الحصول على 6 مليارات يورو. أقفلت أنقرة حدودها وهي تستضيف حالياً 3.6 ملايين لاجئ من سوريا. لم تحصل الأخيرة على كل المبلغ في نهاية المطاف بسبب خلافات حول الحريات المدنية والميول غير الديموقراطية التي رأتها أوروبا في تركيا. وينقل هذا الأمر المراقبين إلى الشرق.

تعقيدات
إيران هي جارة تركيا وثاني أكبر مصدّر للغاز بعد روسيا. وكلتاهما على طرفي نقيض من الحرب السورية. لكنهما جارتان مقربتان، وفي حالة روسيا خصوصاً، شريكتان تجاريتان مهمتان. تقف تركيا وروسيا مع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين في الدفاع عن الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة بطريقة أحادية السنة الماضية. بالنسبة إلى تركيا، هذا الأمر منطقي لأنّ إيران جارة قريبة ومؤمّنة للطاقة، وثانياً، بسبب أهمية ألا يكون لديها جار يواجه صعوبات اقتصادية ناجمة عن العقوبات.

لكن في ما يخص سوريا، دعمت إيران وروسيا الرئيس السوري بشار الأسد بينما دعمت تركيا المعارضة إنما من دون الميليشيات الكردية القريبة من الغربيين. ترى تركيا وحدات حماية الشعب أنها على علاقة وثيقة بحزب العمال الكردستاني. وتخشى الحكومة التركية من أنّ تعزيز هذا الحزب قد يهدد وحدة أراضيها.

تفويت فرصة بارزة
تعززت التوترات الكامنة بشكل واضح أواسط أغسطس (آب) حين أقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ثلاث عمدات من مدن كردية. وعلى الحدود الجنوبية الشرقية، وقّع اتفاقاً مع الولايات المتحدة لتأسيس مركز عمليات مشترك من أجل إقامة منطقة آمنة مهمة من المنظور التركي.

لم تكن العلاقة مع روسيا سهلة أبداً ووصلت إلى حدها الأدنى سنة 2015 بعدما أسقطت تركيا مقاتلة روسية دخلت الأجواء التركية. وتابعت ماير أنّ أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هما واقعيان وأدركا وجود حاجة للتنسيق حول سوريا. ولذلك أعيد إطلاق العلاقات الجيدة.

اشترت تركيا منظومة أس-400 الروسية وقد كلفها الأمر إضاعة فرصة بارزة. كان من المفترض أن تحصل أنقرة على أكثر من مئة مقاتلة أف-35 كما كانت شريكاً في برنامج تصنيعها. لكن لم يكن بإمكان شركائها الأطلسيين الاستمرار في البرنامج خوفاً من تسرب تكنولوجيا حساسة مرتبطة بالمقاتلة إلى الروس. على المدى الطويل، تتمحور الكلفة الأساسية حول تفويت فرصة نقل التكنولوجيا.

بين الاستجداء والعبثية

تحتاج تركيا للعمل مع روسيا وإيران في الموضوع السوري. استجدى بوتين مراراً وتكراراً بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني لمنع القوات السورية من مهاجمة شمال غرب سوريا. وسيعيد الكرة حين سيلتقي الرؤساء الثلاثة لمناقشة الملف في 16 سبتمبر الحالي. في الأساس، كانت جهود أردوغان ناجحة إلى حد معتدل لكنها تصبح عبثية بشكل متزايد. فالقوات السورية تتقدم بشكل وحشي في إدلب. تخشى الأمم المتحدة ومراقبون آخرون من تدمير كامل بحجم ذاك الذي لحق بحلب وحمص ومن كارثة إنسانية. وفقاً للمفوضية العليا للاجئين قتل أكثر من 1030 مدنياً في إدلب وحماه في الأشهر الأربعة الأخيرة.

عالقة وسط جيرة خطرة
تخاف تركيا من اجتياز مئات الآلاف من اللاجئين حدودها. اقتصادها سيء فيما ينظر السكان والحكومة إلى اللاجئين السوريين كمصدر استنزاف. خلال الشهر الماضي، أعادت الحكومة التركية حوالي 9 آلاف لاجئ إلى سوريا بالقوة وبرزت مخاوف من أنه لم يعد بإمكانها تحمل المزيد. وتؤكد ماير أنه من أي زاوية نظرت تركيا إلى موقعها فستجد نفسها عالقة في جيرة خطرة وتحتاج للخروج بنوع من الاتفاق مع القوى المؤثرة على الأسد لتفادي تدفق أعداد لا تحصى من اللاجئين.