الثلاثاء 10 سبتمبر 2019 / 11:28

بعد المنطقة الآمنة..ماذا ستطلب تركيا؟

كتب الصحافي سيث فرانتزمان، في صحيفة "جيروزاليم بوست"، أن الدوريات العسكرية الأمريكية التركية المشتركة التي بدأت في شمال شرق سوريا على طول الحدود التركية تعكس احتمال محاولة الولايات المتحدة تلبية مطالب أنقرة في ما يتعلق بمستقبل شرق سوريا، الأمر الذي يمنح تركيا مدخلاً للمزيد من المطالب.

تركيا تهدف إلى تحقيق المكاسب من إثارة التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا

 ويُشير فرانتزمان أن هذه الدوريات العسكرية المشتركة تأتي بعد مرور عام على تهديدات أنقرة بشن هجوم على شرق سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية (حلفاء الولايات المتحدة).

آلية أمنية
وبحسب التقارير، أوضحت الولايات المتحدة أن هذه الدوريات تُعد جزءاً من "الآلية الأمنية" التي تم الإعلان عنها الشهر الماضي في خضم تجدد التهديدات التركية، وبالفعل قامت وحدات حماية الشعب التركية بإزالة تحصيناتها العسكرية بالقرب من الحدود، كما غادرت أحد المناطق بشرق سوريا على طول الحدود.

ويلفت الصحافي أنه خلال 2014 هاجم تنظيم داعش الإرهابي هذه المنطقة وهدد بإبادة الأكراد والأقليات وأي شخص لا يلتزم بإيديولوجية التنظيم المتطرفة. ولكن لم تستسلم وحدات حماية الشعب الكردية لداعش ونجحت في نهاية المطاف في صد هجوم التنظيم الإرهابي بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية وقوات التحالف.

إشكالية تركيا الكبرى
وفيما بعد، ساعدت وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية في تحرير الرقة وهزيمة داعش في شرق سوريا، بيد أن تركيا اعتبرت ذلك إشكالية كبرى لأنها تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية جزءاً من حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.

وعمدت تركيا إلى غزو عفرين بشمال غرب سوريا في يناير (كانون الثاني) 2018 من أجل هزيمة وحدات الشعب الكردية وهددت أيضاً بغزو شرق سوريا. وقد أسفر الغزو التركي لعفرين عن نزوح أكثر من 150 ألف كردي فضلاً عن توطين مئات الالاف من اللاجئين السوريين العرب في عفرين، ويعني ذلك تغيير التركيبة السكانية لهذه المنطقة الكردية تاريخياً.
وتستمر تهديدات تركيا بإعادة شرق سوريا إلى "مالكيها الحقيقيين" وإرسال مليون سوري، معظمهم ليسوا من شرق سوريا، للاستقرار في شرق سوريا بمنطقة آمنة تطالب تركيا بالسيطرة عليها.

تهديدات تركيا
ويلفت الصحافي إلى أنه رغم اعتراض الولايات المتحدة على خطط تركيا لشن عملية عسكرية ضد الأكراد (شركاؤها في محاربة داعش) خشية من زعزعة استقرار سوريا في هذا الوقت المهم الذي تحتاج فيه المنطقة إلى السلام والازدهار، إلا أنها توصلت إلى مفهوم الدوريات العسكرية المشتركة مع تركيا عندما هددت الأخيرة بشن هجوم عسكري ضد منبج.

ومع ذلك، أعلنت تركيا أنها لن تقبل حلاً على غرار منبج للمناطق على طول الحدود، وطالبت بالسماح لقواتها بدخول سوريا، ويبدو أن الولايات المتحدة استجابت لهذا الأمر لتجنب الهجوم التركي المحتمل.

ويرى الصحافي أن تركيا تضغط على الولايات المتحدة من خلال التهديدات؛ حيث أعلنت الشهر الماضي أنها أبلغت إلى الولايات المتحدة وروسيا أن هجوما وشيكاً سيحدث، ولكن العملية توقفت في اللحظات الأخيرة عقب محادثات مع المسؤولين العسكريين. وبعدها توجهت تركيا إلى روسيا لاقتراح شراء المزيد من الأسلحة الروسية، وهددت تركيا أيضاً ببناء أسلحة نووية وفتح الأبواب أما اللاجئين المتجهين إلى أوروبا إذا لم يتم تلبية مطالبها في شرق سوريا.

مأزق الولايات المتحدة
ويعتبر الصحافي أن الولايات المتحدة في مأزق لأن تركيا ظاهريا عضو في حلف الناتو، وقد أبدت واشنطن اهتماماً بالمخاوف التركية. وبالفعل حصلت تركيا على نظام الدفاع الصاروخي الروسي "اس 400" ويبدو أن تركيا تهدف إلى تحقيق المكاسب من إثارة التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، وفي الوقت نفسه تزعم تركيا أنها تعرضت للخيانة من الولايات المتحدة التي تدرب جيشاً إرهابياً (الأكراد) في شرق سوريا. ولكن قوات سوريا الديمقراطية بالنسبة للولايات المتحدة هي الشريك الفاعل على الأرض الذي استطاع هزيمة داعش.

ويُشير الصحافي إلى أن الدوريات العسكرية المشتركة لاتزال تنطوي على بعض الأمور الغامضة؛ فعلى سبيل المثال لم يتم الاتفاق على عمق هذه الدوريات الذي قد يتراوح من 5 إلى 12 كيلومتراً داخل سوريا. وتزداد الأمور تعقيداً بالنسبة لهذه الدوريات لأنها لا تتضمن التعاون الأمريكي التركي فقط ولكنها تشمل أيضاً على تعاون بين القيادة الأمريكية الأوروبية والقيادة المركزية الأمريكية؛ إذ تحرص القيادة الأوروبية على إظهار أن هذه الدوريات تسير على ما يرام وتعمل بشكل وثيق مع تركيا حليف الناتو.

مخاوف الأكراد
ويقول الصحافي: "بفضل الدوريات المشتركة، بات الجيش التركي يعمل داخل شمال شرق سوريا، ولذلك تتزايد المخاوف من أن ترفض تركيا المغادرة بعد دخولها إلى المنطقة وتتزايد مطالبها، وليس من الواضح كيف سوف تستجيب الولايات المتحدة لهذه المطالب. وإذا شعرت قوات سوريا الديمقراطية أن تركيا تستغل الدوريات المشركة في تفقد المنطقة وإزالة التحصينات العسكرية الكردية من أجل تمهيد الطريق للاستيلاء على الأراضي في نهاية المطاف، فإن أزمات كبيرة سوف تندلع".

ويخلص الصحافي إلى أن تركيا باتت بالفعل خبيرة في إثارة الأزمات مع الولايات المتحدة من أجل تحريك الأمور، وهو ما بدأته مع عملية "درع الفرات" في 2016 عندما استولت وحلفاءها من جماعات المعارضة السورية على منطقة تقع في شمال سوريا بين جرابلس وكليس، ثم امتدت العملية إلى عفرين في يناير(كانون الثاني) 2018، وكذلك نقاط المراقبة التركية في إدلب.

ويختتم الصحافي قائلاً: "كل ذلك يقود تركيا إلى مطلبها الرئيسي الرابع في سوريا الذي يتمثل في دور عسكري ومدني دائم التوسع، والواقع أن الدوريات العسكرية المشتركة منحت تركيا مدخلاً للمزيد من المطالب في شرق سوريا، ولكن يمكن أيضاً اعتبار هذه الدوريات حلاً أمريكياً لمطالب تركيا، لكي تستطيع أنقرة أن تقول أنها حصلت على منطقتها الآمنة. يعتمد الأمر على الخطوة التالية التي ستقوم بها تركيا".