تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الجمعة 13 سبتمبر 2019 / 18:52

رسالة قبل الانتحار

جاوزت فيه حالات الانتحار المعلنة في الوطن العربي حاجز الـ16 ألف حالة في 2016 ، إلا زلنا نوجّه رسالةً بالغة القبح إلى من يفكرون في المشي على خطاهم

بينما مثّل الـ10 من سبتمبر(أيلول) بالنسبة إلى بقية العالم مناسبةً سنويةً مضجرة للتوعية ضد وحش الانتحار الصامت الذي يختطف الأرواح منا، فإننا كعربٍ أبينا إلا أن نضيف إليه لمستنا المميزة.

لقد راجت في وسائلنا الإعلامية مع هذه الذكرى السنوية فتوىً تعود إلى 2018 لأحمد كريمة، أستاذ الفقه والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر.
كان كريمة قد أكدّ –جزاه الله خيراً- بأن الانتحار جريمةٌ منكرةٌ، وكبيرةٌ من الكبائر، وبأن فاعله فاسقٌ وآثمٌ. ولكنه نفى في الوقت ذاته أن يكون المنتحر كافراً، أو خارجاً عن الملة، بإجماع الأئمة الأربعة.

وللوهلة الأولى، يبدو أنّ كريمة –ومن نقبّوا عن فتواه لينشروها ويكرروها تزامناً مع اليوم العالمي للتوعية ضد الانتحار- يسلطون شيئاً من الضوء الإيجابي على هذا "التابو" المسكوت عنه في المجتمعات العربية. ها هو شخصٌ يوظّف علمه ودرايته الشرعية ليحرر المُنتحر من وصمة البؤس السابقة التي كانت تلاحقه باعتباره خالداً مخلداً في نيران السعير.

ولكن في الواقع، إن نكهة "الوسطية" و"الاعتدال" الاصطناعيتين اللتين نضيفهما إلى القضايا لا تزيلان عفونة طرقنا التقليدية في التفكير. بكلماتٍ أخرى، إننا الآن نغيّر فحسب الأداة التي ننبش بها قبور موتانا، ولكننا لم نتوقّف بعد عن الفعل المشين ذاته.

ففي الوقت الذي تجاوزت فيه حالات الانتحار المعلنة في الوطن العربي حاجز الـ16 ألف حالة في 2016 بحسب منظمة الصحة العالمية، فإننا لا زلنا نوجّه رسالةً بالغة القبح إلى من يفكرون في المشي على خطاهم.

اسمع، أنت. نعم، أنت، والذي تصب الاحتمالات بنسبة 76% في أن تكون رجلاً، ومنتمياً على الأغلب إلى فئة الشباب بين الـ15 والـ29 سنة.
اسمع، أنت. يا من تلف حبل المشنقة حول عنقك بانتظار اللحظة التي ستتشجع فيها على ركل الكرسي الماثل تحت قدميك. نعم، أنت. من تتحضر لابتلاع علبةً كاملة من "كوكتيل" الكبسولات القاتلة.

وددنا مقاطعتك لبرهة لنطمئنك إلى أننا لا زلنا أكثر انشغالاً بمصيرك الأخروي -والذي لا يعلمه سوى الله!- عن مصيرك الدنيوي المتدحرج بسرعةٍ صاروخيةٍ نحو الهاوية. لا زال أكبر همّنا هو التساؤل فيما إذا كنت ستتعذب في نار جهنم، وكم، وكيف. أما العذابات التي رافقتك في هذه الحياة منذ صرخة ميلادك، وحتى صرخة رحيلك متألماً، فليست ضمن نطاق اختصاصنا.

ولتنم قرير العين في نومتك الأبدية المرتقبة، فإننا نعدك برعاية أهلك وأقربائك من بعدك. وأعني بذلك بأننا سنسمح لهم بغسلك وتكفينك، والصلاة عليك، ودفنك في مقابر المسلمين. أولم نؤكد لك قبل قليلٍ بأننا لن نعتبرك كافراً بالإجماع، بل مجرد فاسق آثم؟
بالطبع، لقد فكّرنا في جميع التفاصيل المحيطة بفاجعة انتحارك، وأهمها هو أننا سنخفف من وطأة العار التي ستلاحق عائلتك الكريمة، وسنرحمها من كلام الناس.

ها؟ أما زلت متردداً؟ اتكل على الله يا بُني، واضغط زناد المسدس.