رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داوود أوغلو (أرشيف)
رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داوود أوغلو (أرشيف)
السبت 14 سبتمبر 2019 / 17:56

أوغلو.. عميد الدبلوماسية التركية يصرخ في وجه أردوغان

وجهت استقالة رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو من حزب العدالة والتنمية التركي صفعة جديدة للحزب الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد استقالة ثلاثة أعضاء آخرين، مما يؤكد استمرار تساقط "أوراق" حزب العدالة والتنمية، والتهديد الذي يضع المستقبل السياسي للحزب على المحك.

وتسجل استقالة أحمد داوود أوغلو، اليد اليمنى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصفه في 2016 بـ"الرفيق"، المحطة الوداعية في علاقته مع الحزب وأردوغان، بعد أن دبت الخلافات بينهما، والحروب الكلامية الشعواء في بعض القضايا الداخلية، على امتداد الأعوام الأخيرة.

ويُعرف أوغلو، بانتقاداته المتكررة لسياسات الحزب الحاكم، وللرئيس التركي رجب أردوغان شخصياً، فيما يخص حرية التعبير وتباطؤ الاقتصاد، كما كان رافضاً لإعادة انتخابات بلدية إسطنبول، التي خسر فيها الحزب الحاكم لصالح المعارضة، ولسجن رؤساء بلديات أكراد بتهم الإرهاب.

ويوصف أحمد داود أوغلو، الرجل الذي أعلن تمرده على أردوغان بعد بدء إجراءات فصله من حزب العدالة والتنمية، بـ"الصندوق الأسود" لنظام الرئيس التركي، وبعد إعلانه استقالته، تحدثت تقارير عن نيته إطلاق حزب سياسي جديد ينافس في السياسة التركية، فهل يطيح "رفيق أردوغان" بسلطان تركيا المزعوم؟



"مهندس سياسات العدالة والتنمية"

يعد أحمد داوود أوغلو، أحد أبرز شخصيات حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأحد أبرز مؤسسيه في عام 2001، حيث شغل منصب وزير الخارجية في 2009-2014، ورئيساً للوزراء في الفترة 2014-2016، وحليفاً سابقاً لأردوغان، قبل أن تسوء العلاقة بينهما، وكان قد وجه انتقادات كبيرة لسياسات الحزب الحاكم، والرئيس رجب طيب أردوغان شخصياً.

ويعتبر أحمد داوود أوغلو، مهندس العلاقات التركية الحديثة، وهو صاحب شعار "تصفير المشاكل"، أي حل المشاكل داخل المجتمع المحلي التركي ومع دول الجوار، وله كتاب في السياسة الاستراتيجية من أشهر الكتب في هذا المجال حول العالم، وهو مجلد ضخم يحمل اسم "العمق الاستراتيجي".

وأعلن أوغلو، في مؤتمر صحفي، الجمعة، استقالته رسمياً من حزب العدالة والتنمية، عقب دعوة داخل الحزب إلى فصله في وقت سابق من الشهر الحالي، وقال: "تاريخ تحويلي إلى لجنة تأديبية هو تاريخ تخلي العدالة والتنمية عن مبادئه الأساسية".

وتأتي خطوة أحمد داود أوغلو بالاستقالة من الحزب الحاكم، بعد أيام من إعلان نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان، وهو أحد مؤسسي الحزب أيضاً أنه سيشكل حزباً سياسياً جديداً قبل نهاية العام الحالي.

وتعهد أوغلو، أثناء إعلانه الاستقالة من الحزب، بإنشاء حزب سياسي جديد، داعياً الجميع الى المساهمة فيها لإخراج البلاد من أزمتها الحالية. وهو ما تحدثت عنه تقارير إعلامية تركية. فيما يبدو أنها محاولة من أوغلو للابتعاد عن حزب أردوغان الغارق.


ولهذا، سيواجه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وزعيمه أردوغان، خلال الفترة المقبلة حزبين، يقودهما اثنان من السياسيين المحنكين الذين خرجا من رحم الحزب الحاكم، وهذا سيعصف بالحزب في أي انتخابات مقبلة، وسط حديث عن احتمال إجرائها بشكل مبكر، كما صرحت وسائل إعلام المعارضة التركية أن مليون منتسب لحزب العدالة والتنمية سحبوا عضويتهم من الحزب الحاكم خلال العام الأخير.

وقال المحلل السياسي مصطفى أزوغان، وفق تقرير لـ"سكاي نيوز" عربية، إن "حزب أردوغان يتأرجح بشكل حرج، بمعنى أنه يمكن أن يخسر الانتخابات المقبلة بفارق 1 % فقط، سواء في انتخابات رئاسة أو أي انتخابات أخرى". وأضاف أنه يتوقع أن يخسر الحزب في الانتخابات المقبلة بفارق أكثر من 1%، لأن الحزب ينزف.

ويرى مراقبون، أن استقالة أوغلو تشير إلى حالة الارتباك والضعف الذي أصبح عليها حزب أردوغان، إضافةً إلى النزعة الاستبدادية لرئيس الحزب، والتي أثرت بشكل كبير على تماسكه. كما سيترك خروج أوغلو، من حزب العدالة والتنمية، وفق المراقبين، تداعيات خطيرة على الحزب وزعميه أردوغان، خاصة بعد الحديث عن "دفاتر الإرهاب".


بداية الخلافات
ظهرت الخلافات بين أردوغان وداوود أوغلو، إلى العلن في مايو(أيار) عام 2016، عندما طلب الرئيس التركي من داود أوغلو تقديم استقالته بعد اجتماع بينهما، بحسب ما ذكرت الصحف المحلية التركية وقتها.

وكتبت إحدى الصحف حينها عنواناً، يقول: "تركيا دخلت في النظام الرئاسي فعلياً"، في إشارة إلى استجابة رئيس الوزراء لقرار أردوغان بإقالته، وأن منصب رئاسة الوزراء أصبح بلا أهمية بعد ظهور بوادر النظام الرئاسي.

واستمرت هيمنة أردوغان، من موقعه "الشرفي" رئيساً للبلاد، على سلطات رئيس الوزراء، سواء من خلال التدخل في تشكيل الحكومة وترؤس عدد من اجتماعات مجلس الوزراء في القصر الرئاسي، أو حتى نفوذه على الحزب من خلال اختيار أسماء مرشحي الحزب لانتخابات 2015، ليستفز هذا التهميش الفج داود أوغلو، ويبدأ تحركاً موازياً لانتزاع جزء من صلاحياته.

وتسببت مواقف أردوغان ضد أوغلو، إلى مغادرة الأخير منصبه رئيساً للحزب في 2016، بعد نحو عامين من توليه هذا المنصب، ورغم أن داوود أوغلو، تعهد بعدم انتقاد أردوغان علناً، لكنه أجرى أخيراً مقابلة صحافية مطولة أظهر فيها أنه لن يلتزم الصمت بعد اليوم، إزاء ما يعتبره أوجه قصور في حزب العدالة والتنمية.

فخرج داود أوغلو عن صمته، ووجه انتقادات لاذعة إلى أردوغان وحزبه، وقال إنهما انحرفا عن أهدافهما، بعدما ألغوا نتائج انتخابات بلدية إسطنبول التي أجريت أواخر مارس (آذار)، وفاز فيها مرشح المعارضة، أكرم إمام أوغلو.

وحذر داوود أوغلو، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الغضب الكبير للقاعدة الشعبية في تركيا، ومستوياتها العليا، وذلك بسبب انحراف حزب العدالة والتنمية عن المبادئ والقيم الأساسية التي يرتكز عليها، مشيراً أن الحزب قد تمتع في وقت سابق بالعدالة وحرية الفكر وحرية التعبير.


وهاجم أوغلو القيود على وسائل الإعلام و"الضرر الذي لحق بمبدأ الفصل بين السلطات وبدور المؤسسات"، وطالب بـ"الشفافية والمساءلة بخصوص الإنفاق العام وعدم التضييق على الصحافيين والأكاديميين والسياسيين".

كما انتقد داود أوغلو، بشدة القرار الذي صدر في 19 أغسطس (آب)، وقضى بإقالة رؤساء بلديات ثلاث مدن في شرق البلاد، هي ديار بكر وماردين وفان، وجميعهم أعضاء في حزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد، وذلك بتهمة ارتباطهم بناشطين أكراد.

غير أن شعرة معاوية، التي أفاضت الكأس بين الرجلين، كانت حديث داود أوغلو عن "دفاتر الإرهاب" قبل أيام قليلة، رداً على اتهام أردوغان له بـ"الخيانة" و"العمل مع قوى خارجية".

وبحسب تقارير إعلامية، يبدو أن حديث داود أوغلو عن "دفاتر الإرهاب" أزعج أردوغان كثيراً، فسارع إلى محاصرته في الحزب، الذي أصبح داود أوغلو ينتمي إليه نظرياً فقط في السنوات الأخيرة.

ولم يكشف الرئيس الثاني لحزب العدالة والتنمية المستقيل، تفاصيل كثيرة عن "دفاتر الإرهاب" لكنه قال في تصريحات صحافية إن "الكثير من دفاتر الإرهاب إذا فتحت لن يستطيع أصحابها النظر في وجوه الناس.. إنني أقول لكم الحقيقة".

وأضاف أن الفترة من الأول من يونيو (حزيران) حتى الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، تعد أخطر وأصعب الفترات السياسية في تاريخ تركيا.

ويشار إلى أن تقارير تصاعدت منذ أغسطس (آب) الماضي عن أن الانشقاق في هرم السلطة السياسية في تركيا أصبح حقيقة واقعة، مع تأكيدات بقطيعة تامة بين أردوغان ورفاقه الثلاثة الكبار عبد الله غول، وأحمد داوود أوغلو، وعلي بابا جان.



ووفق إجماع مراقبين، فإن أردوغان يواجه تحدياً يتمثّل في انشقاق حلفائه القدامى، ما يمثل أكبر تصدع في الحزب الحاكم من سيطرته على السلطة قبل 18 عاماً، تأتي في أعقاب الانتخابات البلدية التي مني فيها الحزب بخسارة إسطنبول، تلك المدينة التي كان يرأسها أردوغان في بدايات بزوغ نجمه السياسي.

وبحسب ليسل هينتز، من جامعة جون هوبكينز الأمريكية، فإن الرئيس التركي يحارب "كل ما يرى فيه تهديداً للهيمنة التي يجسدها"، مدللة بذلك على مثال احتجاز زعيم حزب الشعوب الديموقراطي صلاح الدين دميرتاش منذ 2016، المعارض بشدة لأردوغان والموالي للأكراد، والذي أمرت محكمة تركية أمس بالإفراج المؤقت عنه، لكنه يُفترض أن يبقى في السجن لقضاء عقوبة بموجب حكم سابق.

وتوضح هينتز "أن المواجهة الناجعة تتركز في نجاح باباجان وحزبه، المتوقع إطلاقه قريباً، لمواجهة العدالة والتنمية، وتقديم خطط ملموسة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والفوارق الاجتماعية"، معتبرة "أن أمام باباجان فرصة في تعبئة يمين الوسط التركي، بالاعتماد خصوصاً على الاستياء العام من الإثراء الشخصي لقادة حزب العدالة والتنمية، بينما الاقتصاد التركي يغرق في أزمة"، وفقاً للإذاعة الألمانية.

ومع بلوغ التضخم في تركيا نسبة 15.7% والانكماش 2.6% والبطالة 13% في الربع الأول من عام 2019، يرى العديد من الأتراك أن باباجان، هو الرجل القادر على إيجاد الحلول لمشكلات البلاد، ويعتبرونه البديل المناسب لأردوغان الذي تنتهي ولايته الحالية في 2023.

ومن جهته، اعتبر المختص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بشير عبد الفتاح "أن ما يحدث في العدالة والتنمية هو نذر تشظي الحزب إلى أكثر من كيان سياسي". معتبراً أن انشقاقات بثقل أحمد داوود أوغلو، وغيره ستمثل بلا شك تأثيراً على حزب أردوغان".



وبحسب صحيفة "جمهورييت"، "فإن الحزب المزمع إطلاقه في تركيا بزعامة باباجان، يمتلك نقاط قوة كبيرة، أبرزها دعم مؤسسيه للديموقراطية، والانطباع السائد لدى الكثيرين بأن البلاد كانت ستتفادى الأزمة الاقتصادية الراهنة، إذا طبق أردوغان رؤية باباجان إبان تولي الأخير وزارة الاقتصاد في 2010".

ومنذ هزيمة حزب العدالة والتنمية للمرة الثانية في الانتخابات البلدية بإسطنبول، 23 يونيو (حزيران) الماضي، تزايدت التقارير عن انشقاقات داخله، وسط حالة من عدم الرضا عن السياسة التي يتبعها رجب طيب أردوغان.

ويؤكد خبراء في الشأن التركي، أن خسارة حزب العدالة والتنمية لبلديتي إسطنبول وأنقرة لم تدفع الرئيس التركي لإعادة النظر في سياساته التي أثرت سلباً على الحزب، والذي سيكون تأثيرها أكثر تدميراً على تركيا، في حال لم يتمكن رفقاء الأمس من تحقيق توافق قادر على إخراج تركيا من أزمتها وإيقاف التدهور، بوضع حد لسطوة أردوغان وهيمنته.

وتعيش تركيا على وقع عدد من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بسبب سياسات الحزب الحاكم بزعامة أردوغان الذي انفرد بحكم تركيا، بعد تحويل البلاد من نظام برلماني إلى رئاسي تصفه المعارضة بنظام الرجل الواحد.

ويتوقع أن تشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة منافسة محتدمة بين حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان من جهة، وبين حلفائه السابقين ويضاف لهم أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الجديد.