الإثنين 16 سبتمبر 2019 / 12:02

زلزال مرتقب في حزب أردوغان

رأى الصحافي التركي يافوز بيدر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتورط أكثر فأكثر في إشكاليات لها تداعيات خطيرة، فضلاً عن شعوره بالقلق الشديد من فقدان قبضته على حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي بات على حافة الانهيار، ما يعني أن أيامه في السلطة، ربما أصبحت معدودة.

إذا نجح باباجان وغول من جهة وداود أوغلو من جهة أخرى في إقناع عدد صغير، ولكن مهم، من نواب الحزب بالاستقالة وتشكيل مجموعة منفصلة في البرلمان، فإن ذلك ربما يكون بمثابة زلزال بالنسبة إلى أردوغان

ويُشير يافوز، في مقال بصحيفة "ذا آراب ويكلي"، إلى أن هذه التوقعات القاتمة ترتكز على العديد من العوامل، ومنها السياسة الإقليمية التركية الفاشلة، إلى جانب النتائج العكسية التي أسفر عنها انهيار حلم الإخوان المسلمين بتغيير النظام الحاكم في سوريا، الأمر الذي وضع تركيا في مأزق أمام الولايات المتحدة، وروسيا، وسوريا.

فشل النظام الرئاسي
ويواجه أردوغان أيضاً إشكالية الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي دفعت البلاد إلى الركود، ويعني ذلك أنه لم يعد ممكناً السيطرة على ارتفاع معدلات البطالة، ما يمهد الطريق بدوره لاضطرابات اجتماعية واسعة النطاق، وزيادة الاستياء بين مختلف شرائح المجتمع.

ويوضح الصحافي التركي، أن الجهات الفاعلة المحلية والدولية قلقة من فشل النظام الرئاسي لأردوغان، الذي دخل حيز التنفيذ بعد استفتاء أبريل (نيسان) 2017 وسيطر أردوغان بموجبه على كل السلطات في البلاد، بسبب الطموح المفرط المقترن بعدم الكفاءة والأمية الإدارية.

ولا تسير الأمور على نحو جيد في أنقرة. وينقل الصحافي عن مصدر أوروبي مطلع قوله "عرقل أردوغان وفريقه بشكل أو بآخر العمل السليم لجميع مؤسسات الدولة، خاصة لأنه يفضل الفاشلين والخاسرين الموالين لنظامه بنسبة 100%. وينتظر الجميع يوم رحيله حتى يتسنى القيام بالأعمال الجيدة، وقد اختاروا البقاء في الخنادق، إذ تبخرت الثقة. وحتى نشهد اليوم الذي يرحل فيه أردوغان، أخشى الانهيار".

"فرِق تسُد"

ويلفت الصحافي إلى أنه رغم التوقعات القاتمة، إلا أن أردوغان يحافظ على موقفه ويبدو حاسماً، ويواصل نهجه المفضل الذي يتمثل في إبقاء الأعداء أقرب ما يمكن، كما يحرص على عقد تحالفات شيطانية مع القوميين المتطرفين، ويعمد إلى استخدام سياسة "فرق تسد" مع المعارضة العلمانية الرئيسية والحركة السياسية الكردية.

وينشغل أردوغان بتنفيذ استراتيجية متعددة الطبقات للبقاء، فمن ناحية ينتقد بوحشية حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، ومن ناحية أخرى يبني جداراً بين قواعد الناخبين لحزب الشعب الجمهوري المعارض وحزب الشعوب الديمقراطي من خلال شيطنة الحزب الأخير.

وفي الوقت نفسه يشكل أردوغان سياسة جديدة "للعصا والجزرة" التي تعتمد على استخدام اللاجئين السوريين ورقة مساومة للضغط على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالتهديد بفتح البوابات إلى الغرب أو نقل مليون سوري إلى المنطقة الآمنة، خاصة لأن أردوغان يدرك جيداً أن المشاعر المعادية للاجئين في الأوساط السياسية التركية، ستحافظ على شعبيته في الداخل.
  
صراع البقاء في السلطة
وتستهدف جميع حسابات أردوغان تحقيق هدف طويل الأمد يتمثل في الحفاظ على خيارات "تحالف وحدة وطنية كبرى" تحت قيادته، باعتباره المسار الأساسي للبقاء في السلطة.

ولكن حزب أردوغان الحاكم، العدالة والتنمية، يتراجع في البلاد ما يهدد الصورة الواثقة التي يرسمها أردوغان، وانعكس ذلك بشدة في خسارة الحزب للانتخابات البلدية، لاسيما بعد إعادة التصويت في إسطنبول.

ويعتبر الصحافي أن إرهاق أردوغان الذي تزامن مع انتشار السخط في تركيا، أسفر عن إصابة حزبه الحاكم بالتشنجات. ويرى العديد من كبار السن في هيكل الحزب، أن قرارات أردوغان تعكس سوء الإدارة، ورغم أن الديمقراطية، والحرية، والمساواة، والعدالة هي الركائز الأربع لحزب العدالة والتنمية ولاتزال في برنامجها، إلا أنه لا أحد يهتم بها، خاصةً الشخصيات الحزبية على المستوى المحلي والمركزي.

وحسب الصحافي التركي، يتراجع حزب العدالة والتنمية في الاستطلاعات العامة الحديثة، ولذلك يشعر أردوغان بالقلق لأنه إذا فقد قبضته على الحزب، فإن أيامه في السلطة ربما تصبح معدودة، فهل سيتغلب أردوغان على هذا التحدي القادم من داخل حزبه؟

معارضو أردوغان
ويلفت الصحافي إلى وجود علامات قوية على تآكل حزب أردوغان الحاكم، لاسيما أن الآباء المؤسسين يلعبون دوراً مهماً في هذا السياق، إذ يلتزم الرئيس التركي السابق عبد الله غول ووزير الاقتصاد السابق على باباجان بتشكيل حزب ليبرالي، من المقرر إعلانه في ديسمبر(كانون) الأول المقبل. 
وعلاوة على ذلك، يتحدى بولنت أرينج، القيادي القوي والجريء في حزب العدالة والتنمية ورئيس البرلمان الأسبق، موقف أردوغان المتشدد، ويوجه رسائل عامة مثيرة للجدل، ويدافع عن العمدة الكردي المخلوع أحمد ترك، ورموز حزب الشعب الجمهوري.

ويواجه أرينج هجمات من معسكر أردوغان، ولكن الواضح أنه يشعر بالقلق من جميع الإجراءات القمعية التي اتخذها أردوغان في السنوات السبع الماضية ضد المعارضة والإعلام، التي ربما تطاله هو شخصياً وحاشيته.

ويواجه أردوغان أيضاً رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، الذي استقال أخيراً من حزب العدالة والتنمية، ورغم أن عقيدته السياسة الإقليمية الحالمة قد أسفرت عن فشل ذريع، إلا أن خطاباته الصريحة ضد رئيسه السابق أردوغان، تساعد على تدمير أعمدة حزب العدالة والتنمية.

الحزب الحاكم على حافة الانهيار
ويشير الصحافي إلى أن أردوغان يدرك جيداً أن الانتخابات المبكرة ليست خياراً قابلاً للتطبيق، ولا أحد من نواب البرلمان الحاليين، بمن فيهم الأكراد، مستعد للضغط من أجل ذلك. ويتعلق الأمر بشكل أساسي بمسألة الإذعان، حيث تقود المرتبات والامتيازات المربحة معظم المعارضة إلى اتخاذ موقف "لننتظر ونرى"، خشية فقدان المقاعد في استطلاع مفاجئ، وهو أمر شائع بين نواب حزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص، الأمر الذي يساعد أردوغان على فتح قناة أمام بديل التحالف الأوسع.

ولكن ثمة احتمال من شأنه أن يفسد لعبة أردوغان، حسب الصحافي، فإذا نجح باباجان وغول من جهة، وداود أوغلو من جهة أخرى، في إقناع عدد صغير، ولكن مهم، من نواب حزب العدالة والتنمية بالاستقالة وتشكيل مجموعة منفصلة في البرلمان، فإن ذلك ربما يكون بمثابة زلزال عند أردوغان. ولا يُعرف ما الذي سيفعهل أردوغان لمواجهة مثل هذا السيناريو القوي.

ويختتم الصحافي قائلاً: "أياً يكن، ثمة قضية واحدة مؤكدة تتمثل في أن حزب العدالة والتنمية يتجه نحو الانهيار تماماً مثل حزب الوطن الأم، الذي كان ينتمي إليه الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال".