صورة للزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط في بلدة بجيل لبنان.(أرشيف)
صورة للزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط في بلدة بجيل لبنان.(أرشيف)
الإثنين 16 سبتمبر 2019 / 19:27

إعادة نظر

كان الصعود الى الجبل وزيارة الجبل يبدوان طقساً ضرورياً لهذه الرئاسة، فالجبل هو نواة لبنان، لكن هذا كان استفزازاً للدروز واستعادة لهيمنة مسيحييه على الجبل

حادثة البساتين في قبر شمون تبدو للناظر اليها لأول مرة غريبة، لقد انتهت على يبدو كما ابتدأت، بدأت بزيارة للجبل معدة من وزير الخارجية صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل. زيارة هي محطة في الصراع على الجبل. صراع هو في العمق صراع على لبنان خاصة إذا علمنا أن حرب الجبل التي دارت في نهاية القرن الماضي كانت تردداً لمعارك متلاحقة من 1860، الحرب التي خاضها الدروز والمسيحيون وتفوق فيها الدروز الذين هم شعب محارب، على الموارنة المسيحيين الفلاحين، الحرب التي تكررت بعد قرن، 1983، وتفوق فيها هذه المرة أيضاً الدروز فظهروا للمرة الثانية شعباً محارباً.

بعد ذلك تتعدد أيضاً المصالحات في الجبل فيسعى وليد جنبلاط إلى مصالحة هي رغم وقوعها بقيت ناقصة، إذ لم تنته، كما كانت غايتها، إلى عودة المسيحيين إلى الجبل. ورغم انغماس قادة الموارنة والدروز في هذه المصالحة واشتراكهم فيها إلا أن الجبل بقي يفتقر إلى مسيحييه الأوائل الذين انتشروا في المناطق المسيحية وعادوا بقلة إلى الجبل وبقوا خارجه، ومن الواضح ان زعامة الجبل صارت للدروز ولزعمائهم الجنبلاطيين. وبالطبع لم يكن سهلاً إعادة الجبل الى ما كان عليه فالانتصار الدرزي دمغ الجبل والمصالحة لم تتم بالكامل، فالمسيحيون الذين غادروا الجبل وهجروه لم يعودوا يملكون الثقة الكافية لانجاز المصالحة. رغم أن قادتهم حرضوهم على العودة وشجعوهم على المصالحة إلا أن المصالحة بعد حرب أهلية وبعد انتصار دام لفريق، وبعد عسف دموي، مصالحة كهذه لا تتأتى بسهولة ولا تتم ببساطة. فهناك ثأر بين الفريقين وهناك وساوس وشكوك لا تقدر المصالحات على تجاوزها.

المصالحة التي كانت مرجوة كان مقيضاً لها أن تتم بعد أن فاز قائد الجيش الذي شارك اثناء قيادته في المعركة، فاز بالرئاسة بقوة مسيحييه وزخم مسيحي وبالطبع فإن هذا الفوز لرئيس مسيحيي خرج من قيادة الجيش وسبق له أن خاض المعارك وبالطبع فإن فوزه كان يعني مرحلة جديدة للزعامة المسيحية فالرؤساء الذين سبقوه الى الرئاسة وكانوا ايضاً أتوا من قيادة الجيش، كانوا يختلفون عنه تماماً اذا تحققت لقيادته مسيحية لم تكن لهم، بل كانوا بالقياس لها معزولين تقريباً ويلعبون بدون صلاحية كافية دور الرئيس في الحدود التي يسنها الدستور. بل كانوا تقريباً يلعبون بدون حزم دور الحكم الذي لا يملك سوى أن يراقب ويبقى طوال فترة حكمه بدون سلطة، فقانون الطائف يحرسه من هذه السلطة واختياره للرئاسة تم بعد صفقة سياسية غير حازمة وبدون صلاحيات كافية. سيصير عون الذي صعد إلى الرئاسة من موقع قوة هو الحزب الأقوى مسيحياً وحلفاؤه الذين يحتاجون الى قوته المسيحية ويطلبونها بإصرار. لذا بدأ التفكير في إعادة الزعامة المسيحية للبنان وعودة رئيس الجمهورية المسيحي الى قوته وهيمنته السابقين، وبالطبع بدأ هذا التفكير في حزب الرئيس التيار الوطني الحر الذي يرأسه صهره وزير الخارجية جبران باسيل وهو لا يخفي نيته في أن يخلف حموه في الرئاسة.

كان الصعود الى الجبل وزيارة الجبل يبدوان طقساً ضرورياً لهذه الرئاسة، فالجبل هو نواة لبنان، لكن هذا كان استفزازاً للدروز واستعادة لهيمنة مسيحييه على الجبل لم يعد يرضى بها الدروز، كانت رمزية هذا الطقس ليست مرغوبة منهم فقد انتصروا 1983 ولا يريدون أن يتخلوا عن هذا النصر. هذا ما دعا جبران باسيل الى إلغاء الزيارة لتدور المعركة على الوزير الدرزي الذي أصر على الزيارة، وكانت النتيجة مذبحة صغيرة بقتيلين. لقد انقلبت المصالحة المارونية الدرزية إلى صراع درزي ــ درزي الأمر الذي أحرج الدروز ووليد جنبلاط على رأسهم وجعل للصراع وجهة أخرى.