رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الإثنين 16 سبتمبر 2019 / 19:32

نتانياهو يهرب إلى الضفة!

الافتراض الأقرب إلى الواقعية هو وصول بيبي إلى نهاية الطريق في مشواره السياسي الذي تجمد فيه الصعود وبدأ السقوط التدريجي منذ فترة طويلة

ليس عنواناً للإثارة أو الجذب، بل هي الحقيقة الصعبة التي يواجهها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو في ذروة أزمته السياسية والشخصية التي وصلت إلى لحظة الحسم والخيار بين الفوز في الانتخابات والبقاء بمأمن من الملاحقة القضائية أو السجن بتهم فساد تضمنتها ملفات كثيرة حقق فيها الادعاء الإسرائيلي.

نتانياهو أو بيبي كما يعرف في إسرائيل مزنوق تماماً، ونتائج استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً لا تمنحه الكثير من الأمل أو مبررات التفاؤل، لأن أقصى ما يستطيع حزب الليكود تحقيقه هو الحصول على عدد من المقاعد تمكنه من التفاوض مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما لن يقبل به منافسه (أبيض – أزرق) وما سترفضه أيضاً أحزاب اليمين المتطرف التي تضع عادة شروطاً يصعب على نتانياهو تحقيقها بكل ما فيها من تنازلات لا يستطيع الليكود تقديمها.

الافتراض الأقرب إلى الواقعية هو وصول بيبي إلى نهاية الطريق في مشواره السياسي الذي تجمد فيه الصعود وبدأ السقوط التدريجي منذ فترة طويلة، ولم يكن هناك ما ينقذه في كل مفصل خطير إلا شن حرب في غزة جنوباً أو لبنان شمالاً.

الآن، وفي ظل الواقع الجديد تبدو الحرب أيضاً خياراً مكلفاً جداً لإسرائيل، وربما تكون خياراً انتحارياً لصانع القرار الإسرائيلي. ورغم التهديدات المتلاحقة بشن حرب جديدة على غزة، والتي كان آخرها قول نتانياهو نفسه إن هذه الحرب حتمية، تؤكد الوقائع على الأرض، وتقديرات الجنرالات الإسرائيليين أن كلفة هذه الحرب ستكون أكبر مما تستطيع إسرائيل تحمله، على الأقل في الجانب السياسي. أما الحرب على لبنان، فإن إسرائيل جربت خوضها قبل ذلك وخرجت مهزومة أو لنقل غير منتصرة في العام 2006، وقد كانت نتيجتها كارثية، وشطبت أسطورة الجيش الذي لا يقهر.

ما الحل إذن؟
يذهب نتانياهو إلى محاولة جذب أصوات اليمين بخطوات تصعيدية مختلفة، تظل رغم صعوبتها أقل خطورة عليه من خيار الحرب. ويستغل الانحياز الأمريكي الكامل إلى النهج الليكودي ليعلن نيته ضم الأغوار الفلسطينية والمستوطنات اليهودية في الضفة وفرض السيادة الإسرائيلية على مساحات واسعة من الأراضي التي كان ينبغي أن تكون تحت السيادة الفلسطينية في اتفاقيات أوسلو.

وهو يسعى بهذا التصعيد الاستفزازي ليس فقط لحصد أصوات كافية لإبقائه على قيد الحياة السياسية، ولكن لتجنب مواجهة ملفات الفساد التي ستودي به إلى السجن فترة طويلة. أما ما يعنيه ذلك على المستوى السياسي، فإنه قليل الأهمية لرئيس وزراء يقدم ذاته على واقع ومستقبل المنطقة كلها، وبدعم أمريكي مثير للاستغراب، خاصة عندما يتم التعبير عن الموقف الأمريكي بلسان السفير ديفيد فريدمان الذي يضع نفسه على يمين الحركة الاستيطانية.

نتانياهو يهرب من السجن إلى الضفة. وفي المقابل فإن الرئيس محمود عباس يرفض الهروب من التنسيق الأمني مع إسرائيل لضمان بقائه في الضفة!
وبغض النظر عن اختلاف دوافع الرجلين، فإن الحسم لا بد أن يكون حتمياً في الضفة، التي أصبحت عنواناً لمعركة سياسية صعبة قد تنتقل إلى الشارع في لحظة ما.

ورغم رفض الرئيس عباس للإعلان الليكودي، وتهديده بإنهاء كل الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، فإن هذه الاتفاقات ما زالت صامدة، وتحظى بالتزام فلسطيني مدهش، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني الذي أسفر عن إجهاض العديد من العمليات الفلسطينية الفردية ضد الوجود الاحتلالي في الضفة التي تحولت إلى سجن بالنسبة لأهلها الفلسطينيين.

سيمضي نتانياهو في رحلة الهروب، لكن أحداً لا يعرف ما الذي يمكن للرئيس عباس أن يفعله في صراعه للبقاء. ولا أحد يستطيع التنبؤ بقدرة الرجل على الهروب من سجن أوسلو إلى فضاء المواجهة.