الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان واللبناني ميشال عون (أرشيف)
الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان واللبناني ميشال عون (أرشيف)
الثلاثاء 17 سبتمبر 2019 / 19:50

الملاذ العثماني

تغلبت الإثارة والصخب على الحاجة إلى تصويب قراءة التاريخ وضرورات إعادة تأويله مع حدة ردود الفعل التركية على توصيف الرئيس اللبناني ميشال عون لسياسات الدولة العثمانية في المناطق التي كانت خاضعة لنفوذها.

في أحيان كثيرة يظهر الرئيس رجب طيب اردغان والحزب الحاكم حنيناً للزمن العثماني يعبر عن رغبة في إسقاط الماضي على الحاضر وجنوح لبناء قصور في الهواء

معاينة الانفعال الذي يحكم الممارسة السياسية التركية تقتضي مقاربات تمر بخارطة من المحطات الداخلية والخارجية أبرزها ضجيج البيت التركي الذي يعاد ترتيبه بين الحين والأخر بناء على مؤشرات يلتقطها الرئيس رجب طيب أردوغان على ضوء تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت قبل ثلاث سنوات ويسعى إلى نزع فتائلها للحيلولة دون انفجار هنا أو هناك.

بين المؤشرات التي طفت على السطح قبل الزوبعة التي أثارها خطاب الرئيس عون احتدام الصراعات في بيت السلطة حيث تمت إحالة أحمد داود أوغلو العضو المؤسس في حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء الأسبق وعدد من مؤيديه إلى لجنة تأديبية بعد إعلانهم عزمهم على تشكيل حزب جديد.

الإقالات التي طاولت قيادات في الجيش والاستقالات التي تبعتها والانتقادات المصاحبة وتحذيرات الخبراء العسكريين من إضعاف المؤسسة العسكرية مؤشر لا يقل أهمية عن سابقه.

لا تخلو اللغة المستخدمة بين أطراف المعادلة الداخلية التركية من دلالات تأزم في علاقات الحزب الحاكم مع بقية الأحزاب. ففي أحد تصريحاته هدد وزير الداخلية سليمان صويلو بـ "تدمير" رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بعد تضامن الأخير مع رؤساء البلديات المقالين.

بوصلة الخيارات الإقليمية حاضرة أيضاً في معطيات الردود الانفعالية. ففي موازاة الضجة التي أثيرت على خلفية تصريحات الرئيس عون يعلو صوت ضجيج تأزم العلاقة مع العراق وسوريا بفعل التدخل في أراضيهما وغياب التفاهم مع مصر على خلفية ما يثيره ملف جماعة الاخوان المسلمين وإفرازاته.

الملف الإقليمي ينتهي بالدولي حيث يسود علاقة أنقرة بالغرب حالة من التوتر تراجعت معها احتمالات الانضمام للاتحاد الأوروبي وتتجدد بين الحين والآخر تهديدات أمريكية بفرض عقوبات اقتصادية.

وللتاريخ ظلاله على محاولات إعادة التموضع التي أفرزت بعض هذه الوقائع والمؤشرات. ففي أحيان كثيرة يظهر الرئيس رجب طيب أردوغان والحزب الحاكم حنيناً للزمن العثماني يعبر عن رغبة في إسقاط الماضي على الحاضر وجنوح لبناء قصور في الهواء يترك شعوراً بتجاوز الأزمات المحيطة بالبلاد ويستحق الغضب على منتقديه.

أقل ما يمكن أن يقال في هذا المقام أن أوساط حزب العدالة والتنمية وأذرعها الاعلامية قرأت المشهد بمعايير مزدوجة، وهي تتسابق في الهجوم على الرئيس عون حيث وجدت في غياب استقرار النظام الرسمي العربي سبباً للانتقادات التي يوجهها سياسيون عرب للدولة العثمانية وغاب عنها تبعات الحضور التركي في مربع الأزمات والتحولات التي تشهدها المنطقة وارتدادات السكن في التاريخ على واقع داخلي مأزوم.