الأربعاء 18 سبتمبر 2019 / 13:30

اتفاق وهمي آخر مع إيران لا يُنهي تعدياتها

شبّه ضابط العمليات السابق في وكالة الاستخبارات المركزية سي آي أي تشارلز فاديس، إيران بشخصية مسلسل الرسوم المتحركة الشهير "بيناتس"، وفي المسلسل، كانت لوسي عدوة تشارلي براون، تنجح كل مرة في إقناعه بركل كرة القدم التي كانت تحملها، وفي اللحظة الأخيرة، كانت تفلتها من يدها فيركل الهواء ويسقط أرضاً.

سياسة أمريكا مثمرة ولهذا تحديداً يبدو النظام الإيراني يائساً لزرع شقاق في التحالف ضده وإضعاف الحزم الأمريكي

أصبحت هذه الخدعة استعارة ثقافية أمريكية للحديث عن وضع يسمح فيه شخص لنفسه بالتعرض مراراً للخدعة نفسها.

ويتابع فاديس في مقاله بصحيفة "ذا هيل" الأمريكية أن لوسي شخصية وهمية. وأن تشارلي براون كان يعاني من جرح كرامته. لكن إيران حقيقية جداً وإذا وقع العالم ضحية حيلها مجدداً، فإن المخاطر أكبر بكثير من مجرد إحراج أو كرامة مجروحة

أوباما وفريقه الجبان
كتب فاديس أنه في 2015، قاد الإيرانيون باراك أوباما وفريقه الجبان للسياسة الخارجية إلى هزيمة ساحقة.

فبعدما أذعنوا للتهديدات الإيرانية وآفاق الوصول إلى قنبلة إيرانية نووية، تخلى أوباما وجون كيري والحلفاء الأوروبيون المشتبه بهم دوماً عن سياسة احتواء عمرها 35 عاماً، وسلموا طهران أكثر من 155 مليار دولار، وجعلوا الإيرانيين الضعفاء يشعلون الشرق الأوسط.

سلة وعود وهمية
في المقابل، حصل الغرب على سلة وعود وهمية التي لم ينوِ الإيرانيون يوماً تنفيذها. استمر برنامج الصواريخ البالستية على قدم وساق، فيما لم يتوقف البرنامج النووي. أما المنشآت التي كان يُفترض أن يعاد تحويلها لغايات أخرى فبقيت كما كانت قبل الاتفاق.

ومن جهة أخرى، كثفت إيران دعمها لحزب الله في لبنان، وضاعفت بناء الميليشيات الشيعية مستنسخة الحزب نفسه في العراق. وكذلك، عززت إيران بعدوانية وتيرة ونطاق دعمها للحوثيين في اليمن. ورأى العالم أحدث نتيجة لذلك، الهجوم الكبير على البنية التحتية النفطية في السعودية.

قلق وتهديد
واليوم، وبسبب القلق من أن تكون إدارة دونالد ترامب تعني ما تقول بالعقوبات القصوى وخنق اقتصاد إيران، يهرول آيات الله تماماً إلى ما استخدموه مع أوباما.

أعلنت إيران أخيراً أنها وخلافاً لبنود الاتفاق شغلت أجهزة طرد مركزي متطورة للعمل على تخصيب اليورانيوم. وأوضحت أنها ستخصب اليورانيوم بما يتخطى 20% الذي وافقت عليه سابقاً. وبعبارة عملية، الاستخدام الوحيد الممكن تصوره لتخصيب اليورانيوم إلى المستويات التي تريدها إيران، هو الأسلحة النووية.

هدف واحد
وأرسلت طهران رسالة رسمية إلى منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني معلنةً أنها في طور التخلي عن جميع التزاماتها في الاتفاق. وتزامن الإعلان مع أخبار أشارت إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت تعد تقريراً عن توقف إيران عن التعاون مع مفتشيها داخل إيران.

وحصل كل ذلك على خلفية مشهد احتجاز ناقلات النفط، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز. وكل ذلك مصمم لهدف واحد، أن تضعف أمريكا وتتراجع عن سياستها.

أوروبا.. لا مفاجأة
بشكل متوقع، تلقي التهديدات الإيرانية بتأثيرها على الحلفاء الأوروبيين خاصةً فرنسا التي جنت أموالاً طائلة بالتعامل التجاري مع نظام قاتل. دخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مفاوضات مع الإيرانيين واعداً بفتح خط ائتماني بـ 15 مليار دولار لطهران، وإعفاءات أوروبية من العقوبات الأمريكية مقابل حقيبة أخرى من وعود بلا معنى من آيات الله.

وأردف فاديس أن كل هذا يحصل لأن عقوبات ترامب بدأت تؤلم فعلاً. يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل شامل على الأموال المتأتية من بيع النفط والغاز.

ضربت العقوبات الأمريكية هذه الحلقة، ففي أبريل (نيسان) 2018، شحنت إيران أكثر من 2.5 مليون برميل نفط يومياً، وانخفض الرقم اليوم إلى 200 ألف برميل، ويتجه نحو الصفر. عنى اتفاق أوباما أوقاتاً مزدهرة لطهران، فتوسع اقتصادها بـ16% في 2016 مثلاً، لكن عودة العقوبات وجهت ضربة قاضية لإيران. انكمش الاقتصاد بـ 3.9% في 2018، وتشير التوقعات إلى أنه سيتقلص بـ 6% هذا الشهر، أما التضخم فمستفحل، والريال يهبط بسرعة.

عقوبات مؤلمة
لم يعاود ترامب فرض العقوبات ويعززها فقط، بل استهدف مباشرةً حكام إيران، وصنف الحرس الثوري منظمة إرهابية. دمرت هذه التحركات المجرمين الذين يديرون الاقتصاد الإيراني والذين يستفيدون كثيراً من السيولة التي تدرها مؤسساتهم الإجرامية.

يشعر الإيرانيون بالضيق من ارتفاع الأسعار، لكن ربما وللمرة الأولى، يشعر الجنرالات، وآيات الله الذي أثروا على حساب المواطن العادي، بالألم أيضاً.

اتفاق وهمي آخر
يرى فاديس باختصار أن سياسة أمريكا مثمرة ولهذا السبب تحديداً يبدو النظام الإيراني يائساً من زرع شقاق في التحالف ضده، وإضعاف الحزم الأمريكي، ومن إقناع واشنطن باتفاق وهمي آخر لا معنى له ولا يُنهي الاعتداء الإيراني.

ويوضح أن تشارلي براون لم يكن لديه أي خيار إلا محاولة ركل الكرة لأن مخرج المسلسل أراد ذلك.
ولكن الأمريكيين ليسوا شخصيات كرتونية، بل لديهم الإرادة الحرة وإمكانية التعلم من الخبرة. ووجه فاديس في نهاية مقاله نصيحةً للإدارة الأمريكية، مفادها "سياستنا تعمل. استمروا في الضغط".