حطام الصواريخ الإيرانية المستخدمة في الهجوم على السعودية (أرشيف)
حطام الصواريخ الإيرانية المستخدمة في الهجوم على السعودية (أرشيف)
السبت 21 سبتمبر 2019 / 20:47

السعودية وإيران ومعركة الحي والميت

السعودية أظهرت وجهها القوي الجدير بثقة العالم والقادر على الإفاقة السريعة من الصدمة، وإيران ليس لديها شيء تخسره إن وقعت الحرب، فهي تسير في طريقها إلى الانهيار الحتمي

لم يعد هناك شك في أن الحوثيين قد أدعوا بطولة لم تقع، وأن الهجوم على البنية التحتية النفطية الرئيسية في السعودية تقف وراءه إيران بشكل مباشر هذه المرة. الهجوم جاء من موقعين وليس واحداً، اثنا عشر صاروخاً من صواريخ كروز أطلقت من إقليم خوزستان في جنوب إيران، وخمس طائرات بدون طيار أطلقت من الأنبار في غرب العراق. صواريخ الكروز أصابت أهدافها، بينما أخطأت الطائرات بدون طيار تلك الأهداف، فلنعقد على هذه إصبعاً.

العجيب في الأمر أن الطائرات بدون طيار جاءت من موقع يبعد حوالي 200 كيلومتر عن قاعدة عين الأسد الجوية الأمريكية (قاعدة القادسية سابقا) في محافظة الأنبار، ثاني أكبر القواعد الجوية بالعراق، وهي نفسها القاعدة التي زارها الرئيس ترمب في عيد الميلاد الماضي أثناء زيارته الوحيدة للعراق كرئيس، حيث أشاد بالمعدات العسكرية المتطورة التي تم تركيبها هناك والتي تمنح القوات الأمريكية السيطرة الكاملة على المنطقة!

في مكان آخر، حاول اللقاء الثلاثي الروسي التركي الإيراني بكل فجاجة، أن يبرئ ساحة إيران، وأن يلقي باللوم على السعودية، حيث قرر الرئيس أردوغان، بأن ما حدث في بقيق مجرد نتيجة طبيعية للحرب في اليمن. هذا التصريح وضع المسمار الأخير في نعش التحالفات الطائفية التي طالما طالب بها الإسلاميون السنّة، فدول ما بعد الحداثة تتحالف بناء على المصلحة ولا شيء سواها، ومن الواضح لكل من له عينان أن أردوغان، كالملالي، عدو وليس بحليف.

تَصوُر إيران وتركيا بأنهما الدولتان الأقوى إقليمياً وأنه يحق لهما تقاسم بلاد المشرق العربي، هو بالضبط ما زاد شريحة العرب الراغبين في تحالف مع إسرائيل، وإسرائيل بدورها تعلم جيداً أن نجاة إيران من تبعات الاعتداء على بقيق سوف يشجعها على الاعتداء على حلفاء آخرين من حلفاء الولايات المتحدة، وبالتالي هي من أشد المتحمسين لضربة قوية تأديبية لإيران وأن هذه الضربة يجب ألا تتأخر، لكن موقف السعودية يختلف عن هذا الموقف.

في كل الأعراف الدولية، الاعتداء على بقيق وخريص هو إعلان حرب واضح وصريح، لكن لو استعجلت السعودية في ضرب إيران فإن هذا معناه الدخول في حرب شاملة لا يُعرف أين ستنتهي. الطيران السعودي متفوق لدرجة بعيدة على الطيران الإيراني الضعيف وبإمكانه الانتقام لبقيق وضرب خوزستان التي هي مصدر الصواريخ ومصدر النفط الإيراني أيضاً، لكنها معركة بين الحي والميت.

السعودية اليوم، في ظل حكومة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، تتحدث عن شرق أوسط ينافس أوروبا في صناعة الحياة والمال والأعمال وفرص العمل والمشاريع العملاقة التي خططت للقيام بها، في مقابل إيران التي يعاني شعبها من فقر شديد وبطالة كبيرة بعد أن أنفق الملالي كل ثروة إيران على تصدير الثورة وصناعة الموت.

إيران ليس لديها شيء تخسره إن وقعت الحرب، فهي تسير في طريقها إلى الانهيار والانقلابات على كل الأحوال، ولولا شراسة "منظمة المخابرات والأمن القومي" (السافاك) لانهار النظام منذ زمن. لذلك تعين على السعودية أن تدرس بهدوء طريقة الرد التي لا تنطوي على مخاطرات كبيرة.

عندما وقع الاعتداء على بقيق، كان أمام السعودية واحد من خيارين، الأول أن تضع العالم أمام مسئولياته فتواجهه بأنها عاجزة عن تصدير نصف نفطها، وبالتالي سيقفز سعر البرميل سريعاً إلى خانة مئات الدولارات، وسيهتز الاقتصاد العالمي كله، وسيكره العالم برمته إيران وضربها لبقيق، ولو أن السعودية اختارت هذا الخيار لكان هذا مبرراً تماماً، فإذا كانت السعودية هي محطة وقود العالم، فعلى العالم أن يساعدها في اقتلاع أظافر هذا العدو الصائل.

الخيار الثاني هو إظهار وجهها القوي الجدير بثقة العالم والقادر على الإفاقة السريعة من الصدمات. هذا هو ما قامت به السعودية بالفعل، من خلال إعلانها أنها ستغطي النقص من المخزن الاستراتيجي، تلك الفكرة الرائعة التي طبقتها السعودية منذ عام 1988، وهي لا تنحصر في مجال النفط فقط.

بعد ثلاثة أيام من الواقعة، أعلنت الحكومة السعودية عبر وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان عن إصلاح جميع الأضرار وعودة العمل إلى المحطات المستهدفة بالهجوم، هذا الإعلان كان قتلاً سريعاً لشماتة الأعداء الذين لم يهنؤوا بفرحهم طويلاً.

على صعيد آخر، انضمت السعودية للتحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية، ونجحت الدبلوماسية السعودية في كسب تأييد العالم كله، باستثناء حلفاء إيران. إنها معركة خطرة ولا زالت في بدايتها، لكن السعودية استطاعت أن تمتص الصدمة الأولى وستنتقل الآن من خانة الدفاع إلى خانة الهجوم، لكن ينبغي أن نتذكر في كل لحظة أنها معركة بين حي وجريح ينزف، يكاد يفارق الحياة.