جلاد يجلد امرأة أمام مسجد في مدينة باندا عاصمة إقليم أتشيه الإندونيسية (أف ب)
جلاد يجلد امرأة أمام مسجد في مدينة باندا عاصمة إقليم أتشيه الإندونيسية (أف ب)
الأحد 22 سبتمبر 2019 / 19:46

الجلاد والملائكة

جلاد ملثم يتسربل بالسواد الشيطاني يقف أمام المسجد، مستعرضاً سلطة سياطه أمام جموع المصلين، والمارين، والسياح. يجثم أمامه بخضوع ومهانة ثلاثة أزواج يرتدون ملابس ملائكية بيضاء، ليتلقوا عقابهم المهين بالجلد على حبٍ ما كانوا يظنونه جُرماً، وعلى فضيلة لم يكن لهم أن يتصورا أنها في نظر المجتمع رذيلة، في مشهد لا تقره الشرائع السماوية، ولا الفطرة الإنسانية.

مشهد الجلاد أمام المسجد مشهد لا يمكن أن يخدم المجتمعات المسلمة، ولا يمكن أن يساهم في رقيها ديناً ودنيا. هو أشبه بطقوس داعشية بغيضة

كان هذا المشهد باسم الإسلام في إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، وتحديداً في إقليم أتشيه الواقع في جزيرة سومطرة، والوحيد الذي يطبق الشريعة الإسلامية بين أقاليم البلاد. وأبعد به من تطبيق!

الجُرم الذي استحق به هؤلاء الستة عقوبة الجلد، وقبلها أشهر بالسجن، أنهم تعانقوا علناً، علماً أنهم أزواج. فهل يستحق هذا الجرم العقوبة، ناهيك عن التشهير والمهانة؟

ماذا لو كان لهم أولاد يشهدون عقابهم!! هل سيستطيعون أن يكملوا مسيرتهم في الحياة ورسالتهم في تربية أبنائهم؟ ماذا لو نبذتهم أسرهم بسبب العقوبة التي تعرضوا لها!! هل سيشعرون بالانتماء لهذا المجتمع أو لهذا الدين.

ولو كان أولئك القوم الجلادون، يعقلون لما وجدوا لهذا الفعل الإنساني النبيل سوى التكريم. فلعل إحدى الزوجات كانت حزينةً غاضبةً، فواساها زوجها وأرضاها بعناق. ولعل إحداهن تلقت هدية من زوجها حركت مشاعرها فكافأته بعناق، ولعل إحداهن كان زوجها مريضاً فأعطته عناقاً مواساةً ورحمة يسنده في الحياة.

ألم يقل المشرع في كتابه: "ومن آيته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".

مشهد الجلاد أمام المسجد، مشهد لا يمكن أن يخدم المجتمعات المسلمة، ولا يمكن أن يساهم في رقيها ديناً ودنيا. هو أشبه بطقوس داعشية بغيضة وجدت أبواقاً ومنابر جعلت منها صورةً ذهنيةً مرتبطةً بالإسلام، ولا يزال البعض يروج لها بحسن نية أو بسوء مقصد.

هل يريد الجلادون الظلاميون أن ينزعوا من المجتمعات المسلمة روح الحب ومظاهر الرحمة، ويحولوها إلى مدن أشباح تحارب الابتسامة، وتقتل الفرح، وتقدس الجمود، وتصنع الكآبة؟

هل يريدون إسلاماً غير ما أراده الله لعباده، يصنعونه بأنفسهم المريضة، ويخرجون به عقداً متراكمة فيها.

أرسل غير هياب إلى الأسر التي انتهكت حرمة رباطها المقدس، عناقاً إنسانياً صادقاً، وقبلات حب.