السويدية غريتا ثونبيرغ،(أرشيف)
السويدية غريتا ثونبيرغ،(أرشيف)
الجمعة 27 سبتمبر 2019 / 20:02

الأحلام المسروقة

لم لمْ تكن غريتا طفلاً موريتانياً -مثلاً- يبيت جائعاً بسبب الاستطالة غير الطبيعية لنوبات الجفاف والقحط؟ أو طفلاً من فيجي -مثلاً- يخشى غرق بلاده مع الارتفاع الخطير لمنسوب المياه؟

إن كان هناك ما هو باعث على الضحك أكثر من الخطاب الأخير للطفلة السويدية غريتا ثونبيرغ، فهي قطعاً نظريات اليمينيين، ومكذبي الاحتباس الحراري، بأن غريتا مجرد ممثلة ناشئة تم توظيفها من قبل يساريي العالم للترويج لقضيتهم البيئية.

يا للسخافة! غريتا مجرد طفلة رائعة تحركها طيب نواياها، ويوجهها وعيها البيئي العالي، وحماستها لإنقاذ أمنا الأرض. لا مؤامرة ههنا.
كل ما في الأمر أنه كان من الحري بغريتا -سامحها الله- أن تترك لي تنقيح خطابها قبل أن تلقيه في قمة المناخ مزمجرة في وجوه القادة والرؤساء.

كثيراً ما تُصنّف السويد على أنها الدولة الأفضل على الكوكب لتربية الأطفال، حيث النظام التعليمي -على الرغم من هلع السويديين لتراجعه- لا زال يحتل المركز ال١٥ عالمياً، وحيث تصرف الدولة مخصصاً شهرياً لكل طفل حتى عمر ال١٦، وتحيطه برعاية وافرة تمنع حتى والديه من ضرب مؤخرته.

بالطبع، إن القضايا البيئية تمسّنا جميعا، سواء كنا نسكن خيم البدو الرحل في منغوليا، أو الأبراج الزجاجية لنيويورك.
ولكن لنتمهل قبل أن ينتهي بنا المطاف نسابق بعضنا بعضا ًإلى ادعاء المظلومية.

إن احصائيات منظمة "ميرسي كور" الخيرية تؤكد بأن الأشد تضرراً من التغيّر المناخي هم -للأسف- فقراء العالم، والذين يعتمد ٣ من كل ٤ أشخاص منهم بشكل مباشر على البيئة لنيل لقمة عيشه. إننا نتحدث عن ٢،٥ مليار شخص من صغار المزارعين، والصيادين ورعاة المواشي.

"لقد سرقتم أحلامي وطفولتي بكلماتكم الخاوية"، قالتها غريتا باكية عابسة ناقمة، فلامست في قلبي العنود أصغر سناً كانت تفتح عينها للتو على الواقع القبيحة، فتبذل قصارى جهدها للتخفيف من استهلاك لكل شيء وإعادة تدويره. ولو استطعت حينها الانقطاع عن الأوكسجين لتوفيره لشدة قلقي على أمنا الأرض، لاقتصرت تنفسي على فتحة أنف واحدة!

أتفهّم شعورها تماماً. كما أتفهّم ردة فعل كل من عضوا على شفاههم مشفقين عليها إذ اعتبروها مجرد دمية مسكينة يتم التحكّم بها عن بعد لمواجهة المشككين في القضية البيئية.

فكيف تخدم ابنة استوكهولم -والتي كان من ضمن نشاطها المصغر القيام بإقناع والديها بالتوقف عن تناول اللحوم- القضية أكثر من أطفال مهددين بالنقص الغذائي جرّاء التغيرات المناخية؟ لم لمْ تكن غريتا طفلاً موريتانياً -مثلاً- يبيت جائعاً بسبب الاستطالة غير الطبيعية لنوبات الجفاف والقحط؟ أو طفلاً من فيجي -مثلاً- يخشى غرق بلاده مع الارتفاع الخطير لمنسوب المياه؟ أو طفلاً دارفورياً -مثلاً- حيث يمثّل ارتفاع درجات الحرارة بيئة مثالية للبعوض الناشر لحمى الضنك.

إننا –أي المهتمون بالتغير المناخي- نصف القضية باعتبارها الأخطر حالياً، ثم نتغاضى عن اتخاذ واجهة أوروبية مرفهة للخطر المحيق الذي يحدق بنا جميعا!

أبتم ترون الآن لمَ كان عليّ أن أكبح ضحكتي حينما راحت غريتا توبّخ قادة العالم لتخلفها بمحض إرادتها عن المدرسة؟