منظر عام من عاصمة البوسنة والهرسك سراييفو (أرشيف)
منظر عام من عاصمة البوسنة والهرسك سراييفو (أرشيف)
الخميس 3 أكتوبر 2019 / 20:02

من الاستشراق إلى علم الشرق

أسعد دوراكوفيتش، أكاديمي بوسني يُعد في صدارة المتخصصين في الدراسات الشرقية. عمل في قسم الاستشراق في جامعة بريشتينا، ومعهد الدراسات الشرقية في سراييفو، وقسم الدراسات الشرقية في جامعة سراييفو 1975-2017.

(الأدب الجاهليّ)(أدب قبل الإسلام) كان هو الأدب الذي شكّل عصور الأدب العربيّ اللاحقة وأسّسها فنيًا وثقافيًا بطريقة مشابهة لكيفية تأثير الأدب اليونانيّ القديم

وشارك في مؤتمرات إقليميّة ودولية، وتميز بترجماته الرائدة من العربية إلى البوسنية ومنها المعلقات، والقرآن الكريم، وألف ليلة وليلة وغيرها من الترجمات، كما تميز بدراساته المعمقة في الأدب العربي التي تُرجِمت إلى الإنجليزية والعربية "نظرية الإبداع المهجرية في النقد الأدبي" 1989، و"دراسات في أدب البوسنة والهرسك والأدب العربي" 2010.

فاز دوراكوفيتش عن مجمل أعماله في خدمة الثقافة العربية بجوائز دولية مثل جائزة الشارقة للثقافة العربية - اليونسكو2005، وهو عضو أكاديمية العلوم والفنون في البوسنة والهرسك ،وعضو في مجامع اللغة العربية في مصر، وسوريا، والأردن.

في كتابه "من الاستشراق إلى علم الشرق" Orientology يجترح دوراكوفيتش مصطلحاً جديداً هو "علم الشرق"، ناقضاً بذلك دراسات إدوارد سعيد عن الاستشراق.

لقد انطلق سعيد من مفهوم"الخطاب" في التاريخانية الجديدة خاصةً في أدبيات المفكر والفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو للبحث عن آليات السلطة، والسيطرة، والمعرفة، والتمثيل، والقوة، والتلاعب التحكمي فيها.

لقد بحث سعيد نظام التمثيلات الغربية الذي أنشأه الاستشراق الغربي، وهو يفكك الشرق ويخلق منه كياناً متخيلاً صادراً عن علاقات التسلط الغربية الإمبراطورية الكبرى. ويرفض دوراكوفيتش مصطلحي "الاستشراق" و" الدراسات الشرقية" ويرى أنهما مصطلحان ملوثان إيديولوجياً، ولذلك اجترح دوراكوفيتش مصطلح "علم الشرق"Orientology، ويعني به العلم الذي يتبع نهجاً علمياً ذا طبيعة متأصلة.

يقول دوراكوفيتش: "ولابد أن أشير إلى أني باستعمالي المصطلح الجديد orientology أنأى بنفسي بقوة عن استخدام مصطلحي الاستشراق orientalism أو الدراسات الشرقية oriental studies الملوثين إيديولوجياً، فباستعمال علم الشرق، أود أن أصير إلى نهج علمي، لامركزي أوروبي في مقاربة هذا الحقل من البحث، إضافةً إلى الطبيعة المتأصلة للتحليل وأحكام القيمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للقارئ النبيه أيضا رغم أنه مشدوه، أن يكتشف عدداً من الدلالات أو المضامين الأخرى في مصطلح علم الشرق، بما في ذلك وجود تواصل معين مع أعمال إدوارد سعيد وجاك دريدا".

لم يحفل دوراكوفيتش بالتحقيب التاريخي الخاص بعصور الأدب العربي، وهو التحقيب الذي نشأ في أوروبا مع بعض المستشرقين خاصةً الفرنسيين، وسيادة نظرية العرق، والجنس، والبيئة.

استنطق دوراكوفيتش الأدب العربي القديم في نصوصه استنطاقاً فنياً جمالياً بدأ من الداخل، الخاص ليصلَ إلى الخارج، العام، وهكذا تحدث في كتابه "من الاستشراق إلى علم الشرق" عن قضايا كبرى مثل شعرية الأرابيسك، والشعرية الاستدلالية للقرآن، وشعرية المسافة في التشبيه في الشعر العربي القديم، والمجاز القرآني، العالم من الداخل، ونضوج الشعرية مابعد القرآنية والتراث الأدبي. كما حلل دوراكوفيتش نصوص الأدب العربي القديم بمنظار الشعرية Poeticism والأرابسك، والموتيفات، والإلهام الشعري، والسردية، والتناص، والأسلوبية، والفضاء النصي مع مقارنات بين الأدبين العربي والغربي، وصل من خلالها إلى نتائج بالغة الجدة والطرافة.

لقد وصف الدكتور صلاح جرار في تقديمه الكتاب بأنه "أشبه بحركة تصحيحية في حقل الدراسات الأدبية العربية، إذ قام على تصحيح قدر من المصطلحات والمفاهيم والأحكام التي انتشرت طويلاً عن الأدب العربي، بشعره ونثره، وعن القرآن الكريم، وصلته بالأدب العربي".

استنتج دوراكوفيتش من خلال اشتغالاته العميقة في نصوص الأدب العربي القديم أنّ الأدب الجاهلي، أو أدب ما قبل الإسلام، كان هو الأدب الذي شكل عصور الأدب العربي اللاحقة، وأسسها فنياً، وثقافياً بطريقة مشابهة لكيفية تأثير الأدب اليوناني القديم على ما أصبح يُعرف باسم الآداب الأوروبية.

ويعد دوراكوفيتش الأدب العربي القديم منظومة مترابطة بشكل ملحوظ، أي أنه يمتلك تفرده الخاص به، وهذا هو المنطلق الطبيعي لقراءته. كما أنّه يعزو سيادة المفاهيم التقليدية حول الطبيعة المادية للشعر العربي القديم، إلى الإخفاقات في فهم المبادىء الجمالية لهذا التراث. إنّ أسعد دوراكوفيتش في كتابه
"من الاستشراق إلى علم الشرق" يقدم لنا مقاربةً عميقةً وأصيلةً بحثياً في ابتعادها عن كثير من المسلمات، والأحكام والنتائج الجاهزة التي ألصقها بعض الباحثين ظلماً بالأدب العربي القديم.

لقد استطاع دوراكوفيتش استنطاق جمالية هذا الأدب، وعمق تأثيره في العصور اللاحقة. صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب بترجمة عدنان حسن عن مؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري، بمناسبة الدورة الثالثة عشرة بسراييفو في 2010.