المرشحة العمانية بسمة الكيومي (تويتر)
المرشحة العمانية بسمة الكيومي (تويتر)
الجمعة 4 أكتوبر 2019 / 20:09

انتفاضة الكارهين ضد بسمة

تيقنت بأن التعايش في سلطنة عمان واقع أصدق من آلات صناعة البروباغندا الإعلامية حينما جبت أنحاء من البلاد في رحلة برية شيقة، فإذ بي وأصدقائي ندخل المساجد العشوائية في طريقنا دون أن يراقب أحد أوضاع أذرعنا خلال الصلاة، أو ما نضعه تحت رؤوسنا عند السجود، أو حتى يستجوبنا، ولو بأدب، إذا كنا سنة، شيعة، أم إباضيين.

لم نعهد أن تكتفي شعوبنا الخليجية بالطنطنة الفارغة عن التسامح والتعايش، بل هي تطبقهما

التعايش والتسامح واحترام التعددية مفاهيم حقيقية جداً في عمان. إنك تسمعها فور عبورك للحدود الشمالية في اللغة الكمزارية التي تعد خليطاً فريداً من العربية، والفارسية، والبرتغالية، وستبقى معك حتى تنحدر نزولاً إلى ظفار، فترحب بك الجبالية، والمهرية.

ستقلّب وجهك في سماء التنوع، بين اللواتية وأصولهم العائدة إلى شبه القارة الهندية، والبلوش بتعدادهم الأضخم خليجياً، والعمانيين الزنجباريين، الذين ناداهم الحنين من شرق إفريقيا، فرجعوا بنكهة سواحيلية مختلفة.

في ظل هذه المعطيات، كان صادماً جداً بالنسبة لي مشهد الهجوم الذي تعرضت له بسمة الكيومي، المُرشحة لمجلس الشورى العماني عن ولاية بوشر، أثناء ترويجها لبرنامجها الانتخابي.

صراخ، واعتراض، ومحاولات وقحة لثنيها عن مجرد الحديث.

"أنتِ ما نريدك"، زعقوا فيها. "اطلعي من هنا"، أمروها بعجرفة.

بل وقرأت تقارير إعلامية أخرى حول رشق المحامية المرموقة بالشتائم المقذعة، والتطاول بالأيدي على الذكور من مؤيديها. وكل ذلك لأنها امرأة سافرة!

ولم يقف الكارهون منعدمو الخجل عند هذا الحد، بل راح بعضهم ينشرون المقاطع المصورة في وسائل التواصل الاجتماعي منددين فيها ببسمة، وبجرأتها على اختبار محافظتهم ورجولتهم، كما يرون.

وقد يقول قائل، إن هذا ديدن المتشددين في كل مكان، ربما. ولكن في هذا الجزء من الخليج العربي تحديداً، فهي متلازمة خاصة جداً، وتستحق أن يُطلق عليها اسمها المميز.

فلم نعهد أن تكتفي شعوبنا الخليجية بالطنطنة الفارغة عن التسامح، والتعايش، بل هي تطبقهما إلى حد كبير. قد لا ينقسم مواطنو دولنا إلى أقليات إثنية ومذهبية عديدة كما يحدث في السلطنة الشقيقة، ولكنهم يثبتون مراراً وتكراراً قدرتهم على تقبل الآخر، وانظروا إلى استقرار ملايين الوافدين في بلدانهم، ووفود قوافل السياح التي لا تنضب.

فقط حينما يصل العقل الجمعي إلى المرأة الخليجية المواطنة، فإنه ينكمش بشكل مفاجئ لافظاً مدنيته وعصريته، ويتراجع بضعة قرون ليعتبرها مجرد فردٍ تحت مظلة القبيلة.

فجأة، يستحل لنفسه نهش فردانيتها، وتهميش حرياتها الشخصية، وتحميلها أوزار تمثيله، بل والدفاع عما يعتنقه من مبادئ! وذلك ببساطة شديدة ما حدث مع الكيومية، بسبب اختيارها تجاوز ارتداء الحجاب والعباءة السوداء.

للأسف، يصر المتشائمون والمشككون على أن التسامح في الدول الخليجية سطحي، مصطنع ومفروض بعصا القانون.

ولكن إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، لا سمح الله، فتخيّل أن حتى هذه الواجهة البراقة الملمعة لا تخجل من عجزها على أن تسع المواطنة الخليجية باختلافها وقناعاتها وفردانيتها.

فتأمل...