رتل من الآليات التركية المشاركة في عملية"نبع السلام"  (أرشيف)
رتل من الآليات التركية المشاركة في عملية"نبع السلام" (أرشيف)
الأحد 13 أكتوبر 2019 / 19:39

ترامب وأردوغان والخطاب المزدوج

الازدواجية في الخطاب هي السمة الأولى التي تخطر بالبال عندما يكون الحديث عن المشروع السياسي للرئيس التركي رجب أردوغان، وهذه الازدواجية رافقته قديماً ولا زالت ترافقه.

لمشكلة حقيقة وهي أننا لا زلنا نُخدع بالشعارات إذا كانت دينية. المشكلة هو أن يسمي أردوغان جيشه الغازي المنتهك لحدود دولة أخرى باسم "الجيش المحمدي"

في يوم الإربعاء 9 أكتوبر (تشرين الأول) أعلن الرئيس التركي عن بدء عملية تركية في شمال شرق سوريا وحجته هي أنه يريد إنشاء ملاذ آمن لإيواء مليون لاجئ سوري، بينما ارتفعت التقارير الكردية التي تؤكد أن الغاية المخبوءة هي التطهير العرقي ضد الأكراد وسحق الميليشيات الكردية.

ومع أن قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد أكدت أن الطائرات الحربية التركية ضربت مناطق مدنية، يبدو أن التقارير الكردية عن عملية القصف الجوي التركي مضخمة لحد كبير، بهدف دفع الأمريكيين لمساعدتهم قبل وصول الجيش التركي. فهم محقون في أن هذه المنطقة الآمنة ستكون على حسابهم وقد تصبح مرتعاً للدواعش، أعداء الأكراد.

يبدو أن الهدف قصير المدى للجيش التركي هو إنشاء حزام أمني بطول 100 كيلومتر وعرض30 كيلومتراً، على طول الحدود السورية التركية. ولا يتوقع المحللون السياسيون أن يتجاوز أردوغان حدود المنطقة الأمنية التي وافق هو والرئيس دونالد ترامب على إنشائها في مكالمتهما الهاتفية يوم السبت 7 أكتوبر. ترامب قد أعطى المباركة لهذه العملية عندما أعلن عن انسحاب حوالي 100 جندي أمريكي من موقعين للمراقبة في شمال شرق سوريا فاتحاً الباب على مصراعيه أمام الخطة التركية. وسبق لترامب أن هدد أردوغان بأنه سيمحو الاقتصاد التركي إذا تعرض الأكراد للهجوم. لكن ما حدث فعلاً هو أنه كان هناك فيتو روسي وآخر أمريكي ضد إصدار بيان في مجلس الأمن يدين عملية "نبع السلام" التركية! أين طار ذلك التهديد!

الرئيس ترامب ينطلق من الفلسفة البراغماتية الأمريكية التي أسس لها تشارلز بيرس ووليام جايمس وجون ديوي ومن قبلهم الآباء من الرؤساء الأمريكيين والتي تقول صراحة إن المصلحة هي كل شيء، وأن الحقيقي هو ما ينفع، ولا حاجة بنا إلى أن نعرف هل هذا الحقيقي هو حقيقي في ذاته، أم هو حقيقي فقط فيما يبدو ظاهرياً.

  حسم الفلاسفة الأمريكيون السجال حول الحقيقة بطريقة عملية واضحة. قضية "ما الحقيقة؟" من أكبر القضايا الفلسفية التي شغلت العباقرة منذ أيام الإغريق الأوائل وقد حسمها الأمريكيون بهذه الطريقة المختصرة. لنا أن نختلف معها وأن ندينها كما شئنا, لكننا لا نستطيع أن ننكر أنها طريقة واضحة. لقد اختار الأمريكيون والأوروبيون التضحية بحلم الأكراد لقاء ألا يغرق أردوغان أوروبا بملايين اللاجئين السوريين.

مشهد غير مريح لكنه واضح. لكن المشكلة حقيقة وهي أننا لا زلنا نُخدع بالشعارات إذا كانت دينية. المشكلة هو أن يسمي أردوغان جيشه الغازي المنتهك لحدود دولة أخرى باسم "الجيش المحمدي". كتب هذا في تغريدة له باللغة العربية، وقد فضحته وسائل الإعلام بأنه قد غرّد بالإنكليزية فقال "الجيش التركي" ولم يقل "المحمدي"، مستخدماً مصطلح "الجيش المحمدي" يستهدف المتلقي الذي يتحدث اللغة العربية ليعيد لمنطقتنا صورة السلطان الفاتح الغازي، بينما يتحول هذا السلطان إلى هر صغير وديع لا يعقد ولا ينقض حبلاً إلا بعد الانتظار على الهاتف، حتى يرد عليه الرئيس الأمريكي ويبارك مسعاه. ترامب لم يغضب من تغريدة "الجيش المحمدي" فيما نعلم، لأنه يعرف أردوغان جيداً، ويعرف حبه للدراما.

هذه الشخصية المزدوجة لها جمهور في بلادنا، هم الإخوان المسلمون، أفضل أن أسمّيهم "تنابلة السلطان"، ولا ينفك هذا الجمهور من كتابة القصائد والمعلقات في مديح "السلطان/الهر" والثناء على بطولاته الكرتونية الوهمية، وقد مارسوا في السابق دوراً تضليلياً كبيراً اغتر به بعض العرب فصدقوهم وصدقوه. لكن يبدو اليوم أن معظم العرب قد عرفوا حجم أردوغان جيداً. هذه المعرفة هي خطوة في الاتجاه الصحيح.