الإثنين 14 أكتوبر 2019 / 12:43

هل يستمر الإفلات من العقاب في سوريا؟

24 - إعداد: ريتا دبابنه

شهدت الحرب السورية منذ اندلاعها، كماً هائلاً من جرائم حرب وفظائع بحق المدنيين، يأتي أحدثها الغزو التركي في الشمال الشرقي من البلاد الذي يسيطر الأكراد على أجزاء منه.

وعلى الرغم من الأدلة الوثائقية التي جمعتها الأمم المتحدة، وجماعات حقوق الإنسان المستقلة، منذ عام 2011، فإن مرتكبي هذه الجرائم في سوريا، سواء كانوا من النظام، أو فصائل مسلحة، أو أفراداً، النتيجة واحدة: "النجاة من العقاب"، وقد شجع هذا الشعور بالإفلات بين الجناة، لارتكاب المزيد من الجرائم ضد الإنسانية.


جرائم حرب جديدة
وفقاً لتقرير لصحيفة غارديان البريطانية، يمثل فصيل أحرار الشرقية، المدعوم من تركيا والذي قيل إنه المسؤول عن عملية إعدام طالت تسعة مدنيين بالقرب من بلدة تل أبيض في ريف الرقة في نهاية الأسبوع، مثالاً على هذه الظاهرة.

وكانت المجموعة التابعة للجيش السوري الحر المعارض، اتُهمت سابقاً بإساءة معاملة المدنيين، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري، والنهب، والانتهاكات الجسيمة بحق الأقليات، خلال احتلالها لمدينة عفرين بعد هجوم قادته تركيا العام الماضي في شمال غرب سوريا.


كما اتهم المقاتلون في جيش الشرقية، وهو فصيل آخر تابع للجيش السوري الحر، بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في عفرين، وتعهد مسؤولو الجيش السوري الحر لاحقاً باتخاذ إجراءات ضدهم، لكن وفقاً لتقرير هيومن رايتس ووتش، لم يحدث هذا مطلقاً.

انتهاكات سابقة
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن القوات المدعومة من تركيا، ليست وحدها من ارتكبت جرائم حرب في سوريا. فتسبب هجوم عسكري على يد قوات النظام السوري والقوات الروسية العام الماضي، في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، في مقتل مئات المدنيين، وتشريد عشرات الآلاف منهم، فيما استُهدفت أربعة مستشفيات عمداً من قبل قاذفات القنابل الروسية في غضون 12 ساعة.

ويلفت القرير إلى تصريح مسؤولة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ميشيل باشيليت، في يوليو (تموز) الماضي، حيث قالت: "الهجمات المتعمدة ضد المدنيين هي جرائم حرب، ومن نفذ تلك الهجمات هم المسؤولون جنائياً عن أعمالهم".


أما مارك لوكوك، وهو مسؤول رفيع في الأمم المتحدة، فاتهم بغضب أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، "بعدم القيام بأي شيء لمدة 90 يوماً مع استمرار المذبحة أمام أعينهم"، إلا أن مجلس التحقيق التابع للأمم المتحدة في إدلب لم يبلغ بعد عن النتائج التي توصل إليها.

هجمات الكيماوي
من جهته، اتُّهم الرئيس السوري بشار الأسد، مراراً بارتكاب جرائم حرب من خلال الاستخدام غير القانوني للأسلحة الكيماوية، ويذكر التقرير واحدة من أكثر الحوادث المأساوية التي طالت المدنيين في مدينة خان شيخون، حيث قتل ما يقرب من 100 شخص في هجوم بغاز السارين في أبريل (نيسان) 2017.

وتشير "غارديان" إلى أن الوكالة الدولية لمراقبة الأسلحة الكيماوية ألقت حينها باللوم على النظام في ذلك الهجوم، كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا أن الأسد نفى ذلك ورفضه رفضاً قاطعاً، فيما أقرّت روسيا أن الحادث وقع بالفعل، لكن لم يُحاسب أحد.


ولا تقتسر جرائم الحرب في سوريا على النظام وحلفائه والمعارضة وتركيا، بل واجه أيضاً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وغيره من القادة الغربيين خلافات حول جرائم الحرب، فعلى سبيل المثال، بسبب الضربات الجوية في الرقة والموصل خلال عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، قُتل عدد غير معروف من المدنيين في التفجيرات، ومع ذلك لم يتم التحقيق في وفاتهم، بل وأحياناً لم يُعترف بهم.

الإفلات من العقاب
وتقول الصحيفة البريطانية، إنه عندما يتعلق الأمر بجرائم الحرب، فإن جميع اللاعبين الأساسيين في الحرب الدائرة في سوريا، سواء كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو ترامب، أو الأسد، أو القوات الجوية الروسية والغربية، أو الميليشيات المسلحة، أو حتى المعارضة، لديهم شيء مشترك واحد، وهو أنه من غير المرجح أن تتم محاكمتهم. فثقافة الإفلات من العقاب، قد تمتد وتستمر إلى ما لا نهاية.

وحسب تقرير الصحيفة، فإن المحكمة الجنائية الدولية، التي تتولى مسؤولية التحقيق في جرائم الحرب، تفتقر إلى السلطة ولا تعترف بوجودها رسمياً الولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا وسوريا.


وعلى الرغم من أن لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة حول سوريا، التي تم إنشاؤها في عام 2011، لديها تفويض بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن رفض الأسد التعاون معها أدى إلى إعاقة العملية برمتها.

آمال جديدة
وعملياً، تقول الصحيفة، تصب الآمال في العدالة لضحايا جرائم الحرب، بشكل أساسي حالياً، على منظمات مستقلة غير حكومية، مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، والمرصد السوري لحقوق الإنسان، ولجنة العدالة والمساءلة الدولية، التي تجمع وتوثق الأدلة والشهادات التي من الممكن استخدامها في الملاحقات القضائية المستقبلية.


ويشير التاريخ الحديث، وفقاً للتقرير، إلى أن معظم الجناة سيفلتون من العدالة، إلا أن ذلك قد يتغير، حيث رفعت ألمانيا وفرنسا قضايا ضد الانتهاكات الجديدة التي ارتكبها الأتراك أخيراً في الشمال الشرقي السوري، ومن المتوقع أن يمثلوا أمام المحكمة، على أمل في أن تكون بداية لجميع الجرائم التي سبقتها.