الإثنين 14 أكتوبر 2019 / 19:28

نسيج الثقافة والتسامح بين الإمارات وروسيا

24 - الشيماء خالد

تجمع روسيا والإمارات علاقة ثقافية متنامية، أبرز معالمها الفن والأدب والموسيقى، ويميزها نهج التسامح، مشكلة نسيجاً حضارياً استشرافياً فريداً.

وفي مطلع سبتمبر الماضي احتفت روسيا بالثقافة الإماراتية في معرض موسكو الدولي للكتاب، عبر إعلان الشارقة "ضيفاً مميزاً" على المعرض، كأول ضيف عربي مميز في تاريخه، وأشاد خلال ذلك ممثل الرئيس الروسي، ميخائيل شفيديكوي، بأهمية الاحتفاء بالشارقة العاصمة العالمية للكتاب 2019، ومركز الحراك الثقافي لدولة الإمارات والعالم العربي، مشيراً إلى أثر الجهود الثقافية للإمارة في تعزيز العلاقات الإماراتية الروسية على الصعد المختلفة.

تقاليد المعرفة
وبدورها أعلنت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي فبراير الماضي، اختيار روسيا "ضيف شرف" معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الثلاثين التي ستقام عام 2020، احتفاء بالثقافة الروسية الغنية وجميع جوانبها التي تشمل الأدب والفن والموسيقى.

وجاء الإعلان بعد حفل توقيع مذكرة تفاهم في موسكو بين دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي والوكالة الفيدرالية للصحافة والاتصال الجماهيري.

ونقلت وكالة أنباء الإمارات عن وكيل دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، سيف سعيد غباش، قوله "استنادا إلى العلاقات التجارية والتقارب الذي يجمع البلدين في شتى المجالات فقد امتدت هذه الروابط لتغطي النتاجات الثقافية والأدبية والإنجازات العلمية والفنية التي قدمتها دولة تمتلك ثقافة عريقة وتاريخاً موغلاً في القدم".

وقال مدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب عبد الله ماجد آل علي لـ 24 "روسيا تتميز بثقافتها الفريدة وفنونها وإرثها الغنيين، علاوة على تقاليدها القائمة على المعرفة"، مؤكداً أهمية الاحتفاء بالعلاقات الإبداعية والثقافية بين الإمارات وروسيا.

وأضاف "تمثل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دولة الإمارات تجسيداً حياً لعمق العلاقات التي تربط بين الدولتين في مختلف المجالات، وتحتل الثقافة مكانة بارزة في علاقات البلدين الصديقين، ونحن نحرص في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي على تعزيز أواصر هذه العلاقات من خلال ترجمة العديد من النتاجات الثقافية والأدبية والإنجازات العلمية والفنية إلى اللغة العربية، كما أننا حريصون على استكمال هذه الجهود ومتابعتها، وقد كانت لنا مشاركة مميزة في معرض روسيا للكتاب 2019، حيث نقلنا الثقافة الإماراتية إلى الجمهور الروسي، وحرصنا على عقد العديد من الاجتماعات لبحث سبل التعاون بيننا وبين الناشرين الروس، ولاسيما أنّ روسيا تحتضن آلاف دور النشر، وجرى توقيع اتفاقيات عدة للترجمة من الروسية إلى العربية، ونستكمل استعداداتنا لاستضافة روسيا الدولة ضيف شرف الدورة الـ30 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، والتي تتميز بثقافتها الفريدة وفنونها وإرثها الغنيين، مما سيتيح لنا الفرصة لتسليط الضوء على جهودها وإنجازاتها الإبداعية والأدبية في مختلف المجالات على مدى العصور وتعريف المجتمع المحلي الإماراتي بها، بما يندرج ضمن رؤيتنا الداعمة لتوجيهات قيادتنا الرشيدة في الانفتاح على ثقافات الشعوب".


أنهار.. تقارب مع الحياة

ويقول الأديب الإماراتي، علي أبو الريش لـ 24: "روسيا الاتحادية قارة ثقافية عظمى، أنتجت تشيخوف وتولستوي ودوستويفسكي، وعمالقة الفكر والأدب، ونحن بحاجة لهذه الأنهار الثقافية في مجراها الممتد للإمارات، والتي تقود حركة تنويرية عربية، وأرى أن لقاء ثقافة فريدة كروسيا والإمارات بجهودها وتراثها العريق في الثقافة المعنوية والشفهية وحتى المكتوبة، يعني حراكاً فكرياً غنياً".

ويضيف أبو الريش "تقاربنا مع روسيا تقارب مع الحياة، خاصة مع الظروف الي تمر بها المنطقة، نحتاج لضوء يبدد الظلمة، ولا غير الثقافة في هذا الحال، فالسياسة دون سحر الثقافة عمل ناقص، ونحتاج لجسد ببعده الثقافي العضيد ليكون يداً، وتواد الإمارات في معرض موسكو فتح آفاق بعيدة من البرازيل إلى روسيا، وهذا أمر مطلبو، هذا البوح الإماراتي، هذا الصوت يصل للعالم، ليس لأجل بلادنا كشعب فقط، بل للإنسانية ككل".

عائلات وفن

ويعد وجود جالية روسية في الإمارات منذ زمن طويل أحد أعمدة النسيج الثقافي الغني في البلاد، خاصة في إماراتي دبي وأبوظبي، حيث يرتبط الروس والمواطنون الإماراتيون والعرب بعلاقات عائلية، وبمشاريع تجارية، وسياحة متبادلة.

وتحفل البلاد بحفلات موسيقية ومعارض تشكيلية روسية خاصة في دبي، ويعد الطعام الروسي مألوفاً في الإمارات.

وتقول الفنانة أولغا فاسيلييف: "عشت لسنوات في الإمارات، وقدمت معزوفات في مناسبات ثقافية عديدة، ووجدت أن الكثيرين من أهل الإمارات يعرفون بلادي وزاروها بعضهم لعدة مرات، كما تعرفت على أصدقاء تربطهم علاقات عائلية بالمواطنين، وتناقشت لعدة مرات حول مؤلفات أدبية روسية معهم، وبدوري تعمقت في تاريخ هذه البلاد الحضارية المدهشة، كما أني من محبي الفنون التشكيلية وأجد بيئة حية لذلك في دبي وتماز إبداعي واضح بين الإماراتيين والعرب ونحن الروس".

كما ذكر سؤول المركز الروسي للموسيقى في الشارقة، أيفان كوفالينكو، في تقارير إعلامية أن المركز يتيح المجال للمقيمين الروس إلى جانب أكثر من 20 جنسية أخرى تعلم مختلف أنواع الفنون كالموسيقى والرسم إلى جانب اللغات المختلفة بما فيها العربية، التي تعتبر من اللغات الرئيسة التي يحرص المركز على تعليمها للطلبة.

وقال: "المركز يحرص على تعليم الطلبة الثقافة العربية من واقع الحياة الكريمة التي يعيشها المقيمون الروس في الإمارات والتقدير الذي يحظون به من كل الجنسيات المتواجدة على أرض الدولة، وذلك بهدف خلق جسور تواصل مع أبناء الإمارات والعرب لتكوين نقاط التقاء للثقافات والحضارات، ولخلق معرفة مشتركة في التكوين الذهني لأبناء الشعب الروسي المقيم في الإمارات منذ أكثر من 3 عقود".

تعايش واحترام
وذكر رئيس المكتب السياحي لسانت بطرسبورغ في دبي، هارميك سينغ، أن الإمارات وروسيا يتفقان في العديد من القيم والمبادئ المشتركة ، ويتميز التواصل الثقافي بين البلدين والمعرفة الحضارية المشتركة بالتسامح واحترام اختلاف العادات والقيم الثقافية التي تميزها.

وقال: "هذا يؤكد على أن العلاقة القوية بين الإمارات وروسيا ستمضي في إرساء قيم التعايش العالمية وإبراز الثقافة كعنصر جامع للشعوب.

وتمثل كنيسة "القديس فيليب" في إمارة الشارقة، الكنيسة الروسية الأرثوذكسية الأولى، في شبه الجزيرة العربية، كما تشكل الكنيسة مع المركز الثقافي الملحق بها، أكبر مجمع روسي أرثوذكسي، خارج ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي سابقاً.

وتم اتخاذ قرار بناء هذه الكنيسة عام 2005 عندما قام بطريرك موسكو وعموم روسيا الحالي البطريرك كيريل بزيارة إلى الإمارات حينما كان يشغل كرسي مطران سمولينسك وكالينينغراد، وفي عام 2007 منح عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي قطعة أرض للطائفة الروسية لبناء الكنيسة عليها، وتسهيل ممارسة شعائرهم الدينية، إيماناً بأهمية التعايش بين الأديان.

وقال رئيس دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، محمد خليفة المبارك: "تتمتع الإمارات وروسيا بمنجز ثقافي عريق يتيح للبلدين تكاملاً ثقافياً ومعرفياً يسهم في ازدهار المشهد الثقافي فيهما ويتيح للبلدين الترويج للإرث الثقافي الذي يمتلكانه، كلٌّ منهما لدى الآخر، وصولاً إلى تلاقي الشعبين وتبادل كنوز الثقافتين في إطار حوارهما المنفتح المتسامح، وذلك من خلال استضافة العديد من الفعاليات والأنشطة المشتركة وقد قمنا بتعزيز هذه الروابط والاستفادة من التفاعل والتعاون مع بعضنا البعض".

ولفت إلى أن مهرجان الموسيقى الروسية الذي استضافته أبوظبي مطلع العام الجاري شهد 14 حفلا موسيقيا مختلفاً مع 30 موسيقياً روسياً من أساتذة الموسيقى الكلاسيكية إلى الموسيقيين الشباب إذ عرضوا أفضل الأعمال الموسيقية وسلطوا الضوء على منجزهم الثقافي الخاص بتراثهم وفنونهم وإبداعاتهم لجمهور أبوظبي.

وقال المبارك:" استضافت أبوظبي مؤخراً وبقيادة المؤلّف الموسيقي ميخائيل بليتنيف الحائز على جائزة "غرامي" المرموقة، الأوركسترا الوطنية الروسية التي أقامت حفلين موسيقيين على خشبة مسرح المجمّع الثقافي بأبوظبي ضمن فعاليات افتتاح موسم موسيقى أبوظبي الكلاسيكية 2019 - 2020 ".

مستقبل وشباب
وامتداداً للتقارب الثقافي بين البلدين، يجري العمل على مشاريع عدة، منها ما أعلن عنه قبل يومين، الرئيس التنفيذي في دائرة العلاقات الحكومية في إمارة الشارقة، فاهم القاسمي، الذي أكد أن الإمارة تجري محادثات مع الجهات المختصة في روسيا لافتتاح مركز ثقافي روسي في الإمارة، إضافة إلى التعاون والتبادل الثقافي والابداعي.

وأعلن "برنامج سفراء شباب الإمارات " أخيراً، عن برنامجه للعام القادم ليشمل جمهورية روسيا الاتحادية، ويقام البرنامج تحت رعاية ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وبتنسيق وإشراف مكتب شؤون التعليم في ديوان ولي العهد بأبوظبي.

ويسعى البرنامج إلى تأكيد أهمية التواصل مع الثقافات والحضارات المختلفة والاستفادة من الخبرات والأعمال الريادية التي حققتها المجتمعات الأخرى كون هذا التواصل يساهم بشكل رئيسي ببناء جسور الصداقة والتعاون ويعزز بناء علاقات إنسانية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

وسيشمل برنامج العام القادم زيارة سفراء شباب الإمارات إلى روسيا خلال فترة الصيف لمدة ثلاثة أسابيع لزيارات متعددة لتعريفهم بعمل الجهات الحكومية والتعرف على أهم القطاعات الاقتصادية والصناعية بروسيا، إضافة إلى تعمقهم في تاريخ وثقافة وقيم وعادات الشعب الروسي ولغتهم.

واتفق البلدان العام الماضي على تشكيل "اللجنة المشتركة بينهما" بغية تنمية في التعاون في المجالات المختلفة لما فيه مصلحة الشعبين الصديقين، وهذا ما يأخذ مساراً متصاعداً حتى هذه اللحظة.