الأربعاء 16 أكتوبر 2019 / 13:58

الأكراد يدفعون ثمن "سياسية أمريكا أولاً"

ذكر نوح روثمان، الناشر المشارك لمجلة "كومنتري" الأمريكية، أنّ المحللين والسياسيين الأمريكيين الذي يعتقدون أنّ أفضل طريقة للحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة هي الانسحاب من التزاماتها الدولية، يتخيلون أنّ رؤيتهم السياسية الخارجية أذكى وأكثر اعتدالاً.

غياب المظاهرات الاحتفالية بقرار الرئيس هي دليل على أنّ الأمريكيين لا يريدون تسليم الطموح الوطني والنظام الدولي إلى قوى تنقيحية وطغاة تافهين وأمراء حرب صغار

وقال الكاتب إنها خرافة استمرت بمرور الزمن لأن هؤلاء الرؤساء الأغبياء بما فيه الكفاية لوضع عقائدهم المناهضة للتدخل الخارجي موضع التنفيذ، تراجعوا عن مسارهم في وقت قصير. على النقيض من ذلك، يحافظ دونالد ترامب على هذا المسار وفي هذا الوقت يحطم هذه الخرافة الوضيعة.

من دون مشورة المسؤولين الأكثر حذراً الذين أحاطوا به سابقاً، ساير ترامب بشكل كامل ميوله الانعزالية. إنّ ثمار عقيدة "أمريكا أولاً" هي الفوضى والشلل في القدرة على صناعة القرار والتضحية غير المنضبطة بمصالح الولايات المتحدة لصالح هدف ليس أكبر من مجرد كسب أفضلية سياسية داخلية عابرة. إنّ الهزيمة في سوريا هي واحد من أحدث الأمثلة على ذلك، وفقاً لروثمان.

حتى حجة الانتصار لم يؤمنها
كان قرار ترامب بالتخلي عن حلفاء أمريكا في شمال سوريا على طريق الإعداد منذ بعض الوقت، وهو ما أدى إلى استقالة وزير الدفاع السابق جايمس ماتيس. إنّ نتائج هذه السياسة تجلت في كارثة لم يستطع حتى أعتى منتقديها توقعها. عند كل محطة مفصلية في هذه السياسة، بدا ترامب ضعيفاً بشكل رهيب. نتج قرار ترامب بالانسحاب من سوريا عن سبب آيديولوجي لا استراتيجي.

قال إنه "آن الأوان لنا للخروج" وترك الآخرين "تدبر الوضع". وكان في الوقت عينه يطلق إشارات ملتبسة فترك فراغاً عسكرياً لكنه تعهد الرد على أي قوى أجنبية تريد ملء هذا الفراغ. لم يؤمّن ترامب حتى حجة "الانتصار" خلال الانسحاب الأمريكي قبل أن يتدفق الأتراك عبر الحدود السورية. وكانت الأحداث التي أعقبت ذلك مريعة.

تهجير وتطهير عرقي
تمت التضحية بآلاف المقاتلين الأكراد الذين حاربوا مع المستشارين الأمريكيين ضد العناصر الإسلاموية في سوريا وضد المستبد المرتكب لإبادات جماعية في سوريا لصالح تركيا. تعرض عشرات آلاف المدنيين الأكراد للتهجير والتطهير العرقي حيث تأمل أنقرة استبدالهم بلاجئين سوريين في تركيا. وتعرض بعض هؤلاء المدنيين للمجازر على يد ميليشيات بربرية موالية لتركيا. أمّا من نجوا فقد اضطروا للاتجاء إلى نظام الأسد ومن خلفه أسياده في إيران وروسيا.

ووجّه الأكراد الذين كانوا يحرسون أسرى داعش قواتهم لمحاربة تركيا لذلك أصبح مئات من أقرباء الأسرى أحراراً. في مواجهة هذه الكارثة، يصر ترامب على أنّه سيتولى أحد على الأرجح إلقاء القبض عليهم مجدداً قائلاً إنهم "سيهربون إلى أوروبا".

سلوك مهين لرئيس واهم
وسط تقدم تركيا في سوريا، استهدفت قوات تركية عمداً مركزاً لوحدة كوماندوس أمريكية بقذائف مدفعية سقطت بالقرب منه بشكل خطير من أجل التعجيل بالانسحاب الأمريكي من المنطقة وقد نجح ذلك. أسرع ترامب بسحب القوات والمدنيين الأمريكيين من هناك. ولم يرد ترامب على هذه الإهانات لمكانة أمريكا إلا من خلال الوعد الواهن بفرض عقوبات اقتصادية لن تغير سلوك المتمردين الإقليميين وهي لن تكون جاهزة في الوقت المحدد حتى ولو كانت فعالة.

هذا هو السلوك المهين لرئاسة أمريكية ملتزمة بوهم أنّ أفضل طريقة للحفاظ على المصالح الأمريكية هي في تصديرها إلى المسؤولين في العواصم الأجنبية. وليس هذا الأمر جديداً بالنسبة إلى الكاتب الذي يرى أنّ إذلال أمريكا مستمر على صعيد عالمي.

كوريا الشمالية وأفغانستان
لقد كافأ ترامب النظام الكوري الشمالي بسخاء مؤمّناً المديح والهيبة لقوته الشمولية حتى في الوقت الذي يستمر بتطوير أسلحته ووقوده النووي. وفي الوقت الحالي، لا تزال الإدارة متمسكة بإمكانية التفاوض حول تسوية تحفظ ماء الوجه مع المارقين في بيونغ يانغ علماً أن كل الأدلة تشير إلى عكس ذلك. وفي أفغانستان، لم تتخل طالبان عن تطرفها وقد ضحّت أمريكا بحزمها مع عودتها إلى المفاوضات بعد فترة وجيزة على إيقافها بسبب هجمات قاسية ضد القوات المحلية والأمريكية، علماً أنّ طالبان لم توقف اعتدءاتها طوال فترة المفاوضات.

الأكثر إحراجاً
تخلى ترامب عن مستشاره السابق جون بولتون لأسباب عدة من بينها اتخاذ موقف متشدد تجاه النظام الاشتراكي غير الشرعي في فنزويلا. وادعى ترامب بشكل غير مقنع أنه فضل سياسة أكثر تشدداً مع كاراكاس. لكنّ مسؤولين داخل الإدارة يصرون على أنه "من المهم اتخاذ خطوة إلى الوراء وترك المجتمع الدولي اللحاق (بالتطورات السياسية الداخلية) بطرق عدة".

إنّ أكثر ما هو إثارة للإحراج بحسب الكاتب، هو تعرض ترامب لأزمة حقيقية في مضيق هرمز حيث أمضت البحرية الإيرانية في مصادرة وتخريب الناقلات الأجنبية في المياه الدولية فيما دمرت القوات الإيرانية طائرة مراقبة أمريكية من دون طيار بقيمة ملايين الدولارات. وافق ترامب على رد عسكري لكنه تراجع في الدقيقة الأخيرة. وبقي الإيرانيون بلا رادع وفقاً لما أظهره الهجوم المعقد على المنشآت النفطية السعودية.

دلالة لافتة
لا يمكن التقليل من هذه التطورات على قاعدة أنها ناتجة عن شخص مبتدئ في الرئاسة. هذا ما تبدو عليه سياسة خارجية لرئيس قومي. إنّ غياب المظاهرات الاحتفالية بقرار الرئيس هي دليل على أنّ الأمريكيين لا يريدون تسليم الطموح الوطني والنظام الدولي إلى قوى تنقيحية وطغاة تافهين وأمراء حرب صغار. ويختم روثمان كاتباً أنه ثمة دلالة واضحة في أنّ الأمريكيين الذين يتوقون إلى سياسة خارجية أكثر تواضعاً يعانون في محاولة الدفاع عن جهود ترامب لتحقيق أهدافهم.