الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الأربعاء 16 أكتوبر 2019 / 19:45

قتامة الواقع

كان الهدف الرئيسي من قرار دونالد ترامب، بالتخلي عن أكراد سوريا، هو بعث تنظيم داعش مرةً أخرى، من السجون الكردية، وهو هدف استراتيجي، ينسجم مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، سواءً كانت دفة الحكم في يد الجمهوريين، أم في يد الديمقراطيين.

مع أن هناك فيديوهات، لهروب الدواعش أنفسهم، وليس المرتبطين بهم فقط، إلا أن الكذب الصرف، سمة من سمات الإسلاميين، وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان

يصعب على أمريكا القول صراحةً، إنها تحيا على الحروب، فالحروب تعني بيع السلاح، وفرض النفوذ، والمُشاركة في مصادر الطاقة، الحروب مادة متجددة لصناعة أفلام هوليوود. الحروب تعني باختصار، الاستعمار الجديد، بأذرع الحريات الفوضوية، والديمقراطيات التخريبية، والشركات "الدول"، العابرة للحدود، والقارات.

سنفترض أن أكراد سوريا الديمقراطية، هددوا أمريكا، في حال انسحابها من شمال شرق سوريا، بقتل جميع الدواعش في سجونها، وليس كما يقول دونالد ترامب، بأن الأكراد هددوا بفتح السجون، وإطلاق الدواعش. التهديد المُفترض الأول، لو حدث، لما سمحت أمريكا بالضوء الأخضر، لرجب طيب أردوغان.

قالت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، إنها دعت الكونغرس، لإلغاء قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من شمال شرق سوريا. جاءت كلمات نانسي بيلوسي بعد تحرك الجيش السوري، المدعوم من القوات الروسية، وباتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، نحو خط المواجهة في شمال شرق سوريا.

العُدوان الوحشي الذي مارسه رجب طيب أردوغان على المدنيين الأكراد، في الأيام الأربعة الأولى، بأظلاف جيشه العثماني، ومرتزقة الإسلام السياسي، توقف بعد تحرك الجيش السوري، والقوات الروسية.

قابل الإعلام الغربي تدخل الجيش السوري، والقوات الروسية، في شمال شرق سوريا، بفتور، وأحياناً بالصمت. نشرت الغارديان، وسي إن إن، ورويترز، خبر تحرك الجيش السوري، والقوات الروسية، بعد خمس، أو ست ساعات، من إعلانه.

كأن تدخل دمشق وموسكو كان مفاجئاً للغرب وأمريكا، وكأنهما يخافان على حليفهم، قائد الدواعش، خليفة العثمانيين الجدد، من خطر وقوعه في المواجهة بينه وبين فلاديمير بوتين. تُفضل أمريكا حديثاً لا ينتهي عن فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، وأيضاً يُفضل الغرب حديثاً لا ينتهي عن تجميد بيع السلاح لتركيا.

العقوبات الاقتصادية، وتجميد بيع السلاح، لايعرف أحد حظ تنفيذهما، أو مدى تأثيرهما، فعلى سبيل المثال، ثلاثة عقود من فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، أو كوريا الشمالية، أو روسيا، لم تكن فعالة قياساً باحتفالية الإعلان عنها بين الحين والآخر.

كتبت نانسي بيلوسي على تويتر، أصبحنا في وضع يجب أن نتعامل معه، بفرض عقوبات أقوى، على تركيا، من تلك التي يفرضها البيت الأبيض.

وقال السناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام، إنه يدعم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في ضرورة فرض عقوبات على تركيا، بسبب هجومها على سوريا.

نلاحظ أن سجال الحديث عن فرض عقوبات، يتسم بلغة إنشائية، وهي لغة شديدة التواضع أمام ما يحدث على أرض الواقع، فعلى أرض هناك دواعش طليقة، تفتك بالمدنيين، تدعي الولايات المتحدة الأمريكية، أنها تحاربها دون هوادة، منذ أربعة عقود، تحت أسماء مختلفة، طالبان، والقاعدة، وبوكو حرام، وحركة الشباب الصومالي.

نقلت سي إن إن، دون تعليق، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كذب ما قالته السلطات الكردية في شمال شرق سوريا، عن هروب أكثر من 700 شخص مرتبطين بتنظيم داعش منذ بدء عملية "نبع السلام" التركية، مشيراً إلى أن الهدف من تلك التصريحات استفزاز أمريكا.

ومع أن هناك فيديوهات، لهروب الدواعش أنفسهم، وليس المرتبطين بهم فقط، إلا أن الكذب الصرف، سمة من سمات الإسلاميين، وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان. خفف الرئيس التركي أيضاً من نبرته عند الحديث عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين وصف دوره بالإيجابي، مع أن فلاديمير بوتين في ليلة تحركه إلى شمال شرق سوريا، شن ضربة جوية على دواعش في إدلب.

وفي نفس الوقت ابتز أردوغان الناتو، وحرض ضد فلاديمير بوتين، بشكل غير مباشر فقال متسائلاً: "هل ستقفون إلى جانب حليفكم أم إلى جانب الإرهابيين؟" 

أردوغان بين فكي منجلة، من ناحية، تسقيع، أو تعطيل عدوانه داخل العمق السوري، بسبب فلاديمير بوتين، سيحدث له أزمة في الداخل التركي، بعد أن أسكت معاريضه مؤقتاً، ومن ناحية أخرى، خطر مواجهة الجيش السوري، هي مواجهة مع بوتين.

لو يضمن أحد ما، لأمريكا أن المواجهة بين روسيا وتركيا، قد ترتد أربع، أو خمس سنوات، بما يفترض فلاديمير بوتين أنه حققه في سوريا، لوافقت أمريكا على التضحية بحليفها، زعيم العثمانيين الجدد، رجب طيب أردوغان.