مقر الناتو في بروكسل (أرشيف)
مقر الناتو في بروكسل (أرشيف)
الخميس 17 أكتوبر 2019 / 10:11

انقسامات داخل الناتو بسبب العملية التركية في سوريا

تسبب الهجوم الذي تشنه تركيا على المقاتلين الأكراد في شمال سوريا في انقسامات جديدة في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ تزيد الازمة من الضغوط على الحلف الذي يستعد لعقد قمة حاسمة في ديسمبر (كانون الأول).

وواجه الهجوم التركي على المقاتلين الأكراد الذين لعبوا دورا كبيرا في القتال ضد تنظيم داعش، انتقادات دولية واسعة، ودفع بعدد من دول الناتو إلى وقف إبرام صفقات أسلحة جديدة لتركيا.

وسمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات على قادة أتراك، وأعاد فرض الرسوم الجمركية على واردات بلاده من الفولاذ التركي بسبب الهجوم الذي بدأ الأسبوع الماضي بعد أن أعلنت واشنطن سحب قواتها من شمال سوريا.

وتضيف الأزمة الحالية إلى عزلة تركيا المتزايدة داخل الحلف، لأنها تأتي وسط انزعاج الغرب من أسلوب الرئيس رجب طيب أردوغان في الحكم، وبعد أن مضت أنقرة في صفقة شراء أنظمة صواريخ إس-400 من روسيا رغم الاحتجاجات الشديدة من واشنطن والناتو.

وعبر الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ المتحفظ بطبعه، مراراً عن "قلقه البالغ" بشأن العملية العسكرية والخطر الذي يمكن أن تشكله على القتال ضد داعش. وقال إن وزراء دفاع الحلف سيحرصون على مناقشة المسألة في لقائهم في بروكسل الأسبوع المقبل.

"لا آلية طرد"

وأكد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر أنه سيستغل الاجتماع للضغط على الحلفاء لاتخاذ "إجراءات جماعية وفردية دبلوماسية واقتصادية" لمعاقبة تركيا على تصرفاتها "السافرة".

ولكن دعوات بعض الأوساط لتعليق عضوية تركيا أو حتى طردها من الناتو لن تؤدي إلى أي نتيجة، كما يقول الخبراء، لأنه لا توجد مثل هذه الآلية في الحلف.

وقال جورج بينيتيز، الخبير في مجلس الأطلسي، لوكالة فرانس برس "إن الناتو مقيد بما يمكن أن يفعله رسميا لمعاقبة تركيا لأن اتخاذ جميع قرارات الناتو يجب أن يتم بالإجماع، وبالتالي فإن تركيا يمكنها عرقلة أي قرارات تنتقدها أو تعاقبها".

وحتى لو كان ذلك ممكناً من الناحية العملية، فمن المشكوك فيه أن يرغب حلفاء الناتو بشكل عام في إخراج تركيا، نظراً لموقعها الاستراتيجي الحيوي على حافة الشرق الأوسط، فهي على الحدود مع إيران وعلى الجانب الآخر من البحر الأسود الذي تقع روسيا على جانبه الآخر، ونظراً لتوجه أردوغان الأخير نحو فلك روسيا.

وأضاف بينيتيز "لكن لا يزال بإمكان الحلفاء الآخرين معاقبة تركيا عن طريق حجب المعلومات بشكل فردي عن أنقرة، واختيار الاجتماع معاً بشكل غير رسمي من دون حضور تركيا".

وتابع بينيتز أن "إجراءات غير رسمية من هذا النوع قد اتخذت سراً ضد البرتغال في الناتو في أعقاب الانقلاب الذي وقع عام 1974، بينما فرضت الولايات المتحدة حظراً على الأسلحة لمدة ثلاث سنوات على تركيا بعد تدخلها في قبرص في العام ذاته".

وأعلنت دول أوروبية من بينها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وهولندا أنها ستعلق مبيعات أسلحة جديدة إلى تركيا رداً على العملية السورية.

ولكنّ هناك بالفعل شكوكاً حول مقدار التأثير العملي لهذا. وأشار وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن إلى أن "أردوغان لا ينتظر أن تزوده أوروبا بالأسلحة".

واقترح بعض المراقبين أنه إذا كانت أوروبا جادة بشأن ممارسة الضغط على أردوغان، فإن التكتيك الأكثر فاعلية يتمثل في إخبار المواطنين بعدم قضاء عطلات في تركيا، وضرب صناعة السياحة الحيوية في ذلك البلد.

"الفلك الروسي"

ولكن في ظل ابتعاد أردوغان عن الغرب، وتقاربه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن دول الناتو تريد موازنة رغبتها في اتخاذ موقف بشأن سوريا مع قيمة تركيا للتحالف على المدى الطويل.

وقالت إليزابيث براو، الباحثة في مركز "روسي" في لندن لفرانس برس "من الأفضل أن تكون تركيا حليفاً اسمياً بدلاً من أن تكون خصماً محتملاً يعمل مع روسيا. هذا هو الموقف الصعب الذي يجد الناتو نفسه فيه الآن".

وأضافت أنه بوصف الناتو حلفاً عسكرياً بمهمة محددة تتلخص في الدفاع عن أراضي أعضائه، وليس له مهمة سياسية مثل الاتحاد الأوروبي، فإنه يمكن أن يتخذ موقفا أكثر براغماتية وصلابة من أزمات كالأزمة الراهنة.

وقالت "طوال تاريخه، اضطر الناتو إلى تحمل سلوكيات مختلف الدول، ولا يزال حتى الآن محفلاً عسكرياً ناجحاً".

ولكن ووسط معاناة الحلف من الانقسامات الداخلية، وليس أقلها انتقادات ترامب المتكررة للحلفاء بعدم التمسك بالتزاماتهم بشأن الانفاق الدفاعي، فإن الأزمة الأخيرة تمهد لقمة دراماتيكية في لندن في ديسمبر (كانون الأول).