أكراد يتظاهرون ضد الهجوم التركي.(أرشيف)
أكراد يتظاهرون ضد الهجوم التركي.(أرشيف)
الجمعة 18 أكتوبر 2019 / 15:19

تقويض تطلعات الأكراد لن يجلب السلام لأردوغان

قبل بضعة أشهر، شعر الأكراد في الشرق الأوسط بتفاؤل كبير بعدما اكتسبوا اعترافاً دولياً جديداً، وتوقعوا تحقيق مكاسب سياسية كبرى. ونجمت ثقتهم، إلى حد كبير، من إنجازات حققها أكراد سوريا.

لم يحسن ترامب وأردوغان تقدير رد فعل مراقبين، ليس فقط بشأن خيانة الأكراد، بل حيال شراسة الهجوم التركي

ووفق ما كتبه هنري باركي زميل بارز لدى مركز دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، جاء الإنجاز الكردي في سوريا بعد قرابة عقدين من تشكل كيان كردي في شمال العراق يتمتع بحكم ذاتي، ومعترف به دولياً. فقد سعت واشنطن، بعد حرب الخليج في 1991، لمنع الرئيس العراقي السابق صدام حسين من قتل أكراد عراقيين. وكانت نتيجة تلك الجهود الأمريكية إنشاء حكومة كردستان العراق( KRG). وبين 2014- 2019، بدا أن الولايات المتحدة مستعدة من جديد لتسهيل قيام كيان كردي في سوريا، ولكن ضمن ظروف مختلفة وبصلاحيات أقل بكثير.

تحطم أحلام
وأشار باركي، ضمن موقع "فورين أفيرز"، لتحطم أحلام أكراد سوريا خلال أسبوع واحد، في أكتوبر( تشرين الأول)، بعدما منح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وحتى دون إبلاغ جيشه، ضوءًا أخضر لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، كي يغزو شمال سوريا. وفي بداية الأمر، سحب ترامب قوات أمريكية خاصة من الحدود التركية – السورية، مفسحاً المجال أمام قوات تركية وجهاديين متحالفين معها لبدء عملية هجومية. ومن ثم أعلن البيت الأبيض عن رحيل جميع القوات الأمريكية، وعددها 1000 جندي، عن سوريا. وأصبحت عندها جميع المناطق الكردية مفتوحة أمام زحف تركي، وليس فقط نحو منطقة آمنة بعرض 32 كيلومتراً، تزعم تركيا سعيها للسيطرة عليها.

إلى ذلك، أعلنت الحكومة السورية عزمها أيضاً دخول شمال سوريا، ولربما بدعوة من أكراد المنطقة. وهكذا يتوقع أن تنقسم ما كانت مؤخراً منطقة كردية ما بين أنقره ودمشق، حصيلة تؤشر لنهاية حلم بإقامة كيان كردي مستقل، لبعض الوقت على الأقل.

رياح معاكسة
ويرى كاتب المقال أن كلاً من ترامب وأردوغان سيواجه رياحاً معاكسة قوية. فقد شجبت معظم دول العالم قرار ترامب غير المسؤول. كما انتقد القرار بعضاً من أشد أنصار الرئيس الأمريكي في واشنطن.

وكانت آخر مرة استقطب الأكراد مثل هذا الاهتمام والتعاطف عند نهاية حرب الخليج، عندما طوقتهم قوات عراقية على امتداد حدود تركية. ولكن اليوم، على خلاف التسعينيات، تلفت وسائل تواصل اجتماعي انتباه الرأي العام لظروف قاسية وصعبة يعاني منها مدنيون أكراد، فضلاً عن قتل وحشي تنفذه القوات الجوية التركية وحلفاؤها. وقد وصل الأمر لدرجة أن وزير الدفاع الأمريكي أقر بأن تركيا ترتكب جرائم حرب. ونتيجة لذلك، أوقف عدد من الدول الأوروبية شحنات أسلحة إلى أنقره.

سوء تقدير
وحسب الكاتب، لم يحسن ترامب وأردوغان تقدير رد فعل مراقبين، ليس فقط بشأن خيانة الأكراد، بل حيال شراسة الهجوم التركي. وكانت خطوة ترامب مفاجئة بالنسبة للكونغرس والجيش والبيروقراطية والإعلام الأمريكي. ويعود سبب ذلك لأن الأكراد كانوا حلفاء أمريكا الذين ضحوا بأرواح 11,000 من أبنائهم، ولماذا تخذلهم أمريكا مع احتمال هروب حوالي 12 ألف من أشرس عناصر داعش بجانب 40 ألفاً من أفراد أسرهم، من سجون أشرف الأكراد على حراستها؟.

عدو مشترك
ويشير الكاتب لتعرض الأكراد للخيانة. لكن في هذه المرة، عزز نجاح الأكراد في شمال سوريا توقعات بشأن المنطقة. ومن المؤكد أن يؤدي إلحاق الهزيمة بهم جراء غزو تركي، وعودة جزئية لسيطرة النظام السوري للقضاء على تلك الآمال الإقليمية.

وبعيداً عن سوريا، سيكون أكراد تركيا الأكثر تأثراً بهذه التطورات. فقد أصبحوا جهات فاعلة سياسية حتى في ظل ظروف قمعية. ويشكل حزب الشعوب الديمقراطي، الموالي للأكراد، ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، واكتسح مؤخراً معظم بلديات المناطق الكردية (أقال أردوغان معظم رؤساء البلديات المنتخبين). كما لعب هذا الحزب دوراً كبيراً في هزيمة مرشح أردوغان في انتخابات بلدية اسطنبول لعام 2019، مدينة يتحتم الفوز فيها بالنسبة لأردوغان ولحزبه. ولكن الحزب المعارض الذي خرج مرشحه فائزاً في تلك الانتخابات تخلى عن الأكراد، ووقف إلى جانب الجيش التركي عندما بدأ غزوه لسوريا.

استبداد مطلق

ومما لا شك فيه، برأي الكاتب، أن الأكراد ضعفوا ولكن استبداد أردوغان المتزايد يضعفه أيضاً لأنه يجعله يخطئ في حساباته بطرق تنفر حلفاء تركيا وتبعدهم عنها. ولربما يعطي التوغل في سوريا مثالاً على سوء تلك التقديرات. ومع هروب مقاتلي داعش من معتقلاتهم، يضخون حياة جديدة في تنظيم لم يختف كلياً. ويرتعب اليوم الأوروبيون من احتمال عودة جهاديين لينشروا الفوضى في شوارعهم. وسوف يحملون تركيا مسؤولية تجدد خطر أمني.